الأحد، 17 أبريل 2016

بعنوان : زاد المجاهد

الإهــــــــــــداء
إلى سالكي طريق المقاومة والجهاد ، أنوار طريق الإيمان ونجوم الإسلام المدافعين عنه في الثغور ،نهدي لكم هذا الجهد قائلين :(أنتم أمل المستضعفين اليوم) فإلى المزيد من التضحية والثبات والانضباط والطاعة ، رغم طول الطريق  ، وقلة السالكين  ، وعقبات الأداء  . فلأن تلقوا الله تعالى على ذلك خير من أن تلقوه على ما سواه

والله يتولى الصالحين
·   عناصر الموضوع :
-        المقدمة
1- معنى الجندية
2- لماذا الجندية
3- كيف تكون الجندية عبادة
4- من مظاهر الجندية
5- آداب متبادلة بين القيادة والجنود
6- صفات الجندية الخالصة لله عزوجل
7- آفات في طريق الجندية
8- آثار عدم الالتزام بالجندية الصادقة
9- الخاتمة
- الجندية عبادة
المقدمة :
الأصل أن جميع المسلمين مجندون للعمل بالإسلام وللإسلام,وأن كل واحد منهم يستمد مثله وقيمه وتصوراته وأخلاقه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليكون عضوا نافعا عاملا منتجا ضمن كيان الأمة الإسلامية الواحدة والدولة الإسلامية الموحدة .
فبهذا استطاع أصحاب النبي عليه السلام إقناع العالم بدينهم وتطويع الإمبراطوريات لمشروعهم الجديد ومد دولة المسلمين إلى مشرق الأرض ومغربها ،لقد حققوا ذلك لأنهم جند مخلصون لفكرة الإسلام التي تدعو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، منضبطون بما ترسمه لهم قياداتهم التي تشاركهم الإخلاص للدين ، هم الذين قال الله فيهم : (وإن جندنا لهم الغالبون ).
فالجند الغالبون هم أولئك الذين اتصلت جنديتهم بالله سبحانه وتعالى بضمير المتكلم الذي أعاده الله إليه في قوله ( جندنا ) فهم متصلون به الصلة الوثيقة بالتوكل عليه، وامتثال طاعته في الصغير من الأمر والكبير قال تعالى:( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم...) ، وتحقيق الجندية الكاملة لله الساعية لتمكين دين الله في الأرض وتحكيم شرعه هي غاية المسلم الذي جعل من نفسه رجل دعوة وجندي عقيدة يطمح بالفوز بعوالي الجنان .
وما نعيشه اليوم من تحولات سياسية وعسكرية على مستوى عالمي واسع إنما هو عبارة عن مرحلة هامة يجب على من جندوا أنفسهم للقيام بدور الدعوة لدين الله والدفاع عن مبادئه وقيمه أن يجعلوا منها مرحلة تأسيس لبناء الدولة الإسلامية العادلة التي يحلم بنهوضها كل متطلع لعيش عدالة الإسلام في العالم بأسره .
ولن يقوم بهذا الدور العظيم إلا جندي فكرة وعقيدة لاعسكري غرض دنيوي ومنفعة دنيئة ، ذلك الرجل الذي ارتشفت همته من معين قوله تعالى :(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين , لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
· معنى الجندية عبادة:
·        الجندية :
-        هي التنفيذ الآني والآلي لأمر الآمر
-        هي السواعد الفنية التي تؤمر فتنفذ من غير تردد
-        وهي روح المؤمنين وسر حياة الدعوات
·   العبادة:
-        هي الخضوع والذلة لله رب العالمين
-        هي التوجه الدائم إلى الله بكل عمل في الحياة
·   جندية المؤمن عبادة :
-        فهي التوجه إلي الله من غير تردد مع التجرد من أي شعور آخر سوى العبودية لله رب العالمين
2- كيف تكون الجندية عبادة :
تكون الجندية عبادة بأمور كثيرة من أهمها:
1- بطاعة الفرد لربه وامتثاله لتوجيهات قيادته من غير معصية تعبدا لله سبحانه , قال تعالى : (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r:(من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله, ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني ) متفق عليه
2- بتحكيم شرع الله من قبل الجنود وقياداتهم ، ليتولد بذلك فيما بينهم ثقة متبادلة تساعد على تقوية الكيان الإسلام يقال تعالى : (فلا وربك لا يؤمنوا حتى يحكموك فيما شجر بينهم .)
3- بدوام المراقبة لله تبارك وتعالى وتذكر الآخرة والاستعداد لها , والتقرب إلى الله بالحفاظ على الفرائض والإكثار من النوافل كقيام الليل والصيام والإكثار من الذكر القلبي واللساني والإلحاح إلى الله بالدعاء المأثور
4- بالفهم الصحيح الشامل للإسلام الذي ارتضته وسطية هذا الدين بعيدا عن الاجتزاء والانحراف أو الخطأ
5- برص الصفوف وتوحيد الكلمة وربط قلوب المقاتلين ببعضهم برباط العقيدة لأنها أوثق الروابط وأغلاها قال تعالى : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ..).
6- بالتربية والتدريب على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وفي قصة سيدنا حذيفة بن اليمان بمعركة الأحزاب دروس كافية وعبر وافية .
2-لماذا الجندية عبادة:
1- ليحقق الفرد الإخلاص فيكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة قال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ) والجهاد من أعظم العبادات .
2- وليطمئن الفرد إلي قيادته في كفاءتها وصلاحها اطمئنانا حباً وتقديراً واحتراماً وطاعةً لله قال تعالي : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ).
3- ليستكمل الجندي كل معاني وسلوكيات الولاء للحق والبراء من الباطل أياً كان حامليه قال تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ).
4- كي يكون لدى الجندي الاستعداد النفسي والجسدي للتضحية والجهاد بماله ونفسه وكل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة الحق قال تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون .. الآية )
5- لتحقيق الصمود والثبات في وجه المحن والابتلاءات, فالسمع والطاعة والأخوة الصادقة والجندية الخالصة هي القوة ، وصدق القائل :  (تحابوا فيما بينكم وحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين).
4-مظاهـــر الجنديــــةلله :
1- تحقيق الأخوة داخل الصف المقاوم بالحب والأخوة وسلامة الصدر, لحديث :( سيطلع عليكم رجل من أهل الجنة ). وسبب ذلك قوله ( غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين شيء).
2-السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره من غر تردد أو تراجع أو شك أوحرج . قال تعالى:(يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله وا الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) ، وروى البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول اللهr :(على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ).
3- الولاء لأهل الحق من المؤمنين ومناصرتهم والبراء من أهل الباطل ومجابهتهم قال تعالى :(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ).
4- النصح والتسديد النصيحة دليل إخلاص الجندي لقيادته ودعوته لقول الرسول r:(الدين النصيحة ) ، وقصة الحباب بن المنذر في غزوة بدر عبرة في ذلك ، وقد صاحب نصحه وتسديده لقرار قيادته بالشجاعة المتوجة بالأدب الجم والاحترام الكامل للشرع ، وكما أنه قال : ( يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل ) فقد قال قبل ذلك : أمنزل أنزله الله ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر ) .
5- الوفاء بالوعد واحترام المواعيد فالجندي المخلص لا يخلف موعدا قال تعالى:(يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود).
6- الصدق والوضوح والصراحة بين القيادة والجنود لقول رسول اللهr:(أربع منكن فيه كان منافقا خالصا, إذا حدث كذب ,وإذا وعد أخلف , وإذا خاصم فجر, وإذا اؤتمن خان).
7- الرضا بالموقع الذي تحدده القيادة لأن العمل للإسلام في أي موقع ، عبادة والقبول والثواب فيه بقدر إخلاص القلب وبذل الجهد , وكل موقع عمل يعتبر ثغرة يلزم سدها , وعليه أن يلزم نفسه بالسمع والطاعة لمن صار هو تحت قيادتة ولو كان أحد مرؤوسيها السابقين ولنا في موقف سيدنا خالد بن الوليد في معركة اليرموك عبرة حين عزله عمر بن الخطاب فكان قائدا وجنديا مخلصا .
8- كتمان السر وعدم إفشائه ، وإذا كان حديث الرجل أمانة لديك في حال التفت أثناء حديثه ، فما هو حال أحاديث القيادة مع جنودها فيما يتعلق بتسيير حرب تسعى جيوشه لتحقيق النصر فيه قال رسول الله :(إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة) ، قال الحسن ( إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ) .
5- آداب متبادلة بين القيادة والجنود :
1- الاحترام والتقدير، فيجب أن يسود العلاقة بين القيادة والجنود الاحترام والتقدير المتبادل بعيدا عن روح التسلط أو الضعف أمام الجنود من قبل القيادة ، لأن كل منهما يتعبد إلى الله ويتقرب إليه بحسن تعامله مع الآخر,وكما أن رسول اللهrقال :(من أطاعني فقد أطاع الله ) فإنه قال كذلك : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... الحديث ) ، وما أجمل ما قاله أبي بكررضي الله عنه ( لقد وليت عليكم ولست بخيركم).
2- لين الخطاب وحسن التحاور ، فالواجب على كل من الجانبين مراعاة أدب الحديث كما علمنا الرسول أن على المتحدث أن يقبل بوجهه إلى من يحدثه بصوت مناسب لا جرح في ألفاظه أو بذاءة في عباراته ولا غيبة فيه أو نميمة ، وعلى السامع التخلق بذات الخلق من دون مقاطعة أو جر للحديث إلى مرحلة الجدل والمراء .
3- حسن ظن الجندي بقيادته والعكس قال تعالى :(يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض إثم ..).
4- تبادل النصيحة بين القيادة والجنود وحسبنا في ذلك قول الرسولr:( الدين النصيحة ....). رواه مسلم . مع الالتزامبأدب النصيحة وحسن اختيار الظرف والأسلوب .
5- تبادل الحب والعاطفة الأخوية بإفشاء السلام والكلمة الطيبة وطلاقة الوجه والتهادي والتزاور والعفو والإحسان ,وعدم السماح للشيطان بتغيير النفوس بإساءة الظن والغيبة قال تعالى :(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).
6- النزول على حكم الله ورسوله دون تردد عند اختلاف وجهات النظر قال تعالى ;(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول....).
6- صفات الجندية المبصرة
1- الإخلاص لله تعالى
2- الصدق مع الله ومع خلقه
3- العلم
4- ملازمة العبادة والذكر
5- التجرد للحق من أي هوى أو معصية
6- الزهد والورع والعفة
7- الحلم والصفح وسعة الصدر
8- الصبر والثابت
9- الرحمة والعطف
10- القدوة الحسنة
11- الثقة المطلقة بالله عزوجل
12- تطهير النفس من الكبائر والحسد والتقليد الأعمى والاستئثار بالرأي
13- الشجاعة في الحق       14- عدم الحرص على الإمارة
فاحرص أخي الجندي المجاهد أن تتكامل وتتوفر هذه الصفات فيك فإن هذه الصفات سلامة لك وجميع من معك في الدنيا والآخرة.
7- آفات في طريق الجندية الصادقة :
- العجب والغرور بالعمل قال تعالى :(ولولا وفضل الله عليكم رحمة ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم ) ، ويقول عمر رضي الله عنه :( لو نادى مناد من قبل الرب سبحانه كل الناس يدخلون الجنة إلا واحدا لخشيت أن أكون الواحد).
2- الرياء صغيره وكبيره :فـــ(ما صدق الله من أحب الشهرة).
3- اتباع الهوى لتعصب للرأي وللأشخاص قال تعالى :( أفرأيت  من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله).
4- ضيق الصدر عند النصيحة قال تعالى : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم )
5- اتخاذ مخالفة القيادة والتجريح في آرائهم عادة لا تروي فيها أو دراسة أو فقه
6- الطعن والتجريح في مختلفي الرؤية ومتعددي النظر .
8-آثار عدم الالتزام بالجندية الصادقة الخالصة لله :
1- الحرمان من الأجر والمثوبة بسلوك العصيان المنهي عنه في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .
3- منح الشيطان وأتباعه من أعداء الله فرصة التحريش فيما بين أبناء العمل الإسلامي وتشويه صورته
4- الحرمان من العون والمدد الرباني الموعود للمؤمنين من قبل الله تعالى قال تعالى :( يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدمكم ).
5- الفشل الذريع وتنفير الناس عن الالتحاق بركب المقاومة والجهاد قال تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) .
والجندية في الإسلام هي القوام الحقيقي التي يشد بها أزر القيادة  وهي الدرع الواقي والحصن المنيع الذي يضع الأهداف موضع التنفيذ والقيادة الناجحة تنبع منالجندية المنضبطة ، كل منهم مكمل للآخر .
·       الانضبــــاط والطاعة وأثرها التربوي والعسكري
نقدم لكم تحت هذا العنوان نبذة مختصرة في موضوع الانضباط والطاعة التي يجب أن يتحلى بها المجاهدون ويتخلق بها جميع المقاومون ، القصد منها تبيين مفهوم الانضباط والطاعة في الإسلام  ، نركز فيها على طاعة المقاتلين والمدربين ، حيث وأن دلالات هذا المفهوم أصبح غائباً عند الكثير من المسلمين ، بالغ فيه أقوام فانصاعوا للحق والباطل على حد سواء ، فأخذوا مفاتيح الجنة من رهبانهم في شكل مشابه لظاهرة صكوك الغفران التي قدمها الكهنوت للأتباع عند النصارى ، فعلماؤهم معصومون ،  وأقوالهم مقدسة ، وأعمالهم مسلمة ومقبولة   في طاعة عمياء لا ينبغي لأحــــــــــــد أن يســــــــــأل لمـــــــــــــاذا  ؟
وفرط أقوام فولوا الأدبار ولم يطيعوا أمراً ، ولم يسألوا ذاكراً، ولم يقتدوا بعالم ، بل نظروا إلى علمائهم ودعاتهم نظرة الإساءة والتنقيص ،وقالوا عنهم (  أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) وقوم رأوا الطاعة والانضباط قاهرة إلا فيما يرون ، والالتزام فيما عليه يوافقون ، فساروا على وفق اجتهادهم التي لم يراعوا فيها أبسط قواعد الاجتهاد  أو العمل الجماعي التربوي .
 ونحن هنا نريد أن ننتزع التفريط ونخرج من الشطط ونسلك السبيـــل الوســـــط في ذلــــك
فاعلم أخي المقاوم أن الطاعة المبصرة والانضباطالمدرك أصل من أصول  الإسلام لا يقبل إسلام أحد إلا بهقال سبحانه وتعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتذهب ريحكم وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) فلا بد من طاعة مبصرة مدركة أن الهدف الأسمى منها هو التخلص من كل أخلاق السوء المدمرة ، وخصوص النفس المتطلعة لمنصب أو جاه، وهذه النبذة توضيح لهذا المفهوم وبيان أساليب تحققه ،  فوائده وثمراته ، عوائقه ومدمراته ،نرجو بها فهماً مدركاً ، وتطبيقاً واقعياً ، وعـــــودة وأوبة مرتجاة لمن شـــــــذَّ أو تجـــــــــــــــــــاوز أو انكفـــــأ على ذاتــــــــــــــه ونفســــــــــــــــه .
نسأل الله العلي العظيم أن يؤيدنا بنصره ، ونعوذ بالله من كل شقاق أو نفاق وسوء خلق.

·     تعريف الطاعـــــــــــة :
في اللغة :الانقياد والموافقة"ولا تكون الطاعة إلا عن أمر  "كما أن الجواب لا يكون إلا عن قـــول .
وفي الاصطلاح :موافقة الأمر طوعا أو هي : فعل المأمورات ولو ندباً ، وترك المنهيات ولو كراهة ، أوهي : الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه والعصيان بخلافه ، قال ابن علان : هي : الامتثال ظاهراً ، أو الرضا باطناً لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما يقوله من دعا إلى ذلك .
وفي الاصطلاح الجهادي :عمل المطلوب في الوقت الذي ينبغي أن يعمل فيه<أو : امتثال الأمر وإنفاذه تواً في العسر واليسر والمنشط والمكره  ,وقد ورد هذافي بيعة العقبة الثانية ، وهي الأصل في بيعة العمل الإسلامي .
ويرد في تفصيل هذا المعنى الجهادي ما يلي :
أولاً : الوفاء بما حواه عقد الانضباط والطاعةقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عاهدتم وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جعلتم الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)  وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حتى يبلغ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ، ونحن في هذا العمل إنما التحقنا به لعهد قطعناه على أنفسنا بنصرة الحق وصد الباطل في كل أحوالنا وأقوالنا .
ثانياً : الجهاد المتواصل والعمل الدءوب حتى تسلم المبيع قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يقاتلون فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
 
ثالثاً : عدم النقض إلا بمبرر شرعي فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (  مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حجة لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )،والمبرر إما الكفر البواح ، أو الأمر بمعصية ، وسيأتي

رابعاً : الإخلاص في الولاء المقتضي للمحبة والنصرة ، وربط المصير بالمصير ، وعدم إفشاء الأسرار وينتج عنه أربعة أمور :
1ــأن يعمل المقاوم قدر وسعه وطاقته قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لانُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فيها خالدون) وتقدير الوسع لا ينفرد به الشخص ، لأن لدى الإنسان طاقات لا يدركها إلا بالتجربة ، أو الاستقرار لتلك الطاقة
2ــأن يكون التزام المجاهد مهمة عمر وصحبة حياة قال الصحابة رضوان الله عليهم ليلة العقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نقيل ولا نستقيل "
3ــ أن يكون الالتزام جاداً يقدم من خلاله الجهد والبذل والعطاء فبيعة الرضوان في الحديبية كانت على الموت ، وقال لهم رسول الله ( أنتم خير أهل الأرض ) .
4ــ أن يصاحب العمل المراقبة لله وذلك بالمتابعة والتذكر والتعاون وحتى تصبح الأخطاء مدرسة تُقومُ وتوجه على أساس منهج الله ، ومن خلال موازنة أمينة " وقد يبدو للمنفذ أحياناً أن الأمر المطلوب منه تنفيذه ليس لـه مبرراته أو دوافعه
فلا يجوز أن يكون ذلك سبباً فيعدم تنفيذ الأمر وطاعته ، فالقيادةمسؤولية أولاً ، وهي عادة أكثر علماً بالظروف المحيطة ، والدوافع والمبررات بما لا يتوفر لكثير من الأفراد ، وفي ظل الشورى للأفراد والنصيحة فلهم أن يبدوا أرائهم وحينما تنتهي قيادة المقاومة إلى رأي على الجميع الالتزام به ، توحيداً للكلمة والتوجيه ، ولا يجوز لصاحب الرأي المخالف أن يتحدث بعد ذلك عنرأيه داخل المؤسسة حتى لو أثبتت التجربة أن رأيه الذي لم يؤخذ بهكان أصوب فلأن تجتمع الكلمة على الصواب خير من أن يتفرق الناس حول الصواب .
أما تعريف  الانضباط فهو :  مقاربة تنفيذ العامل لجزئية عمل مستطاعه والمطلوب منه بعينه، بوقت محدد ، بما يحقق التنفيذ مع الحفاظ على الصف المقاوم .
* شـــرح التعريف :
= المقاربة : أي محاولـة الإجادة في التنفيذ ما أمكن ،متطلعاً إلى التنفيذ  الكامل –وإن تعددت صور الفعل ، يمكن أن يُطلق على بعضها أنها فعل ، بينما الترك شيء واحد لا يتجزأ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (دَعُونِي مَاتَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بسؤالهم واختلافهم عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شيء فاجتنبوه ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ)  وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ، واعلموا أن خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّامُؤْمِنٌ ) قال ابن القيم رحمه الله : وأخبر في حديث ثوبان : أنه ما يطيقونها ، فنقلهم إلى المقاربة ، وهي : أن يقربوا من الاستقامة حسب طاقتهم ،كالذي يرمي إلى الغرض ، فإن لم يصبه يقاربه "
= جزئية العمل :  أي قطعة محددة الأبعاد ، واضحة المعالم ، ضمن الخطة العامة للعمل , إذ لا يتصور أن يوجد عمل بدون خطة وبرنامج تنفيذ>
الاستطاعة : وهذا شرط حاسم في التكاليف ( لايُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) وخبرة البشر تقول : إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع "والتحميل فوق الطاقة مدعاة لأن ينفرط الانضباط والطاعة  .
=
 مطلوبة منه بعينها :أي لا يجتهد فهو مأمـور بتنفيذ ما كلف به  " فلا اجتهاد في موضع النص " إذ أن الاجتهاد الشرعي مع ورود الدليل الصحيح الصريح مردود، وفي المعركة والجهاد تكون خطة العمل المتفق عليها ،والقرار بمثابة
النص الشرعي لا يجوز العدول عنه  أو الاجتهاد فيه بتغييره ،لأن التوافق تم على ذلك .
بوقت محدد  : فالمؤدي للعمل قبل الوقت المطلوب كالذي يقطف الثمار قبل نضجها ، والذي يؤدي العمل بعد وقته يكون متهاوناً كالذي يقطف الثمار بعد تلفها بعد النضج  والتقدم على الصف مثل التأخر عنه ، والمفروض في المجاهد الاستواء بما يحقق التنفيذ مع الحفاظ على الصف المقاوم : فمهما بلغ إتقان أي جزئية فلا بد أن يكون ذلك في توازن مع  الجزئيات الأخرى ، وإلا ضاعت الجزئيات  الأخرى ، وبذلك تضيع الأولويات ، ويختل الشمول الذي يميز المجاهدين عن الآخرين .
·      أهمية الطاعــــــــــة :ـ
الطاعة والانضباط ناموس الهي فطرت عليه الخلائق كلهم ,من حيوان ,ونبات ,وجماد في السماءوالأرض , فلم تبق ذرة في الأرض إلا وقد أذعنت لربها وخضعت بحيث تسير وفق إرادة إلهية كونية لا تختلف عنها أبداً . فالكون خاضع ومستسلم لـه تعالى وهو بهذا المعنى طائع لله تعالى كما قال سبحانه تعالى ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) وقال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاًوَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) غير أن الثقلين الإنس والجن منحهما الله سبحانه إرادة وقوة بهما يستطيعان التصرف والاختيار للخير أو للشرو يسبب ذلك تمرد كثير من الثقلين عن التزام الطاعة المطلقة القائمة على الاختيار , ولكنهم لا يدركون أنهم بالرغم من هذا التمرد يتحركون وفق إرادة كونية محيطة ضمن ملك الله تعالى وملكوته.
قال بعض أهل التفسير: " إن الله تعالى خلق الخلق على ماأراد منهم , فمنهم الحسن ومنهم القبيح ، والطويل والقصير , والصحيح والمريض,وكلهم منقادون اضطراراً , فالصحيح منقاد طائع محب لذلك , والمريض منقاد خاضع وان كان كارها.
والطوع :  الانقياد والإتباع بسهولة   ...  والكره : ما كان بمشقة وإباء من النفس "
ولهذا خلق الله سبحانه البشر متفاوتين في عقولهم ومواهبهم وقدراتهم وأخلاقهم , وذلك لتنظم الحياة بالتعاون والتناصر وفق قاموس الطاعة
ومن هنا شرعت طاعة الوالدين ، وطاعة الزوجة لزوجها ، وطاعة التلميذ لأستاذه ،وطاعة العلماء والقادة في الميدان ، وطاعة الحاكم والقاضي في الأمر ، إذ بغير السمع والطاعة لا يمكن الضبط والربط ، كما لا يمكن أن يكون هناك نظام بل الاضطراب الذي لا استقرار معه هو الغالب على مجريات الأمور والأحداث.
"
والمسلمون منذ نشأتهم تربوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره , والعسر واليسر ، فليس للمسلم قط أن يتردد في أمر صدر له من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا يكون السمع والطاعة فيما تحبه النفس وترغب فيه فقط , ولكن السمع والطاعة المطلقة في كل ما يحب الإنسان أو يكره  ، وفيما هو سهل ميسر أو شاق عسير.
والسمع والطاعة  لا يكونان لوجاهة الأمير , أو الخوف منه ، وإنما السمع والطاعة لكل أمير يلي أمر المسلمين مادام يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وليست الطاعة إلا في المعروف,فأيما أمير أمر بمعصية فهو غير مطاع .
وليست الطاعة عمياء,بل هي طاعة مبصرة ورشيدة تصدر عن اقتناع وبصيرة  . فأيما أمير حاول زج جماعة في أمر لا يتفق مع قواعد الشرع والعقل فأمره مردود عله.
وهكذا ربى الإسلام جنوده تربية رشيدة حكيمة تؤدي فيها القيادة واجبها وتمارس حقوقها , فليس قائد المسلمين بالمستبد المتغطرس, ولا وبالجائر المتكبر , ولكنه العادل الشفيق المتواضع الرفيق يحنو على جنوده , ويعطف عليهم , يدفعهم إلى ذلك شعور بالواجب , وعاطفة نبيلة تجعله يشعر انه أب لصغيرهم وأخ لكبيرهم  .
وليس الجنود عاقين متمردين , ولا منتهزين متربصين , ولكنهم أبرار مطيعون ,
بواسل مضحون , يدفعهم إلى ذلك إيمان عميق ، وعقيدة راسخة , وشعور دافق بحب القيادة عليهم,وحرصها على مصالحهم.
وإذا كانت القيادة من هذا الطراز الفذ , وكان الجنود على هذه الشاكلة الفريدة , يتم التجاوب , ويسود الوفاق , وعندئذ تأمر القيادة فيطيع الجنود وتهتف فيلبون وتخطط وهم ينفذون ." ولهذا لما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أحد جنوده لماذا اختلف الناس عليك ولم يطيعوك بينما كانوا يطيعون أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال للسائل : لأني كنت وأمثالي من جنودهما ، وأنت وأمثالك من جنودي - أو كما قال رضي الله عنه -
وهدف الطاعة اجتماع الكلمة ووحدة الصف لان خلاف ذلك فرقة وخلاف مدعاة للفشل وتسليط العدو.
قال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) يقول ابن تيمية رحمه الله : " وهذا التفريق الذي حصل منالأمة: علمائها  ومشايخها وأمرائها وكبرائها , هو الذي أوجب تسليط الأعداء عليها, وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء , وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا, وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا , فان الجماعة رحمة والفرقة عذاب "  إن واحداً من أهداف الأعداء في محاربة الدعوة الإسلامية هو:مضاعفة الجهود المبذولة في سياسة العمل الدائم على فقدان الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل .وهل العصيان وعدم الطاعة وفلسفة المواقف الشاذة إلا تحقيقاً لهذا الهدف" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سفر فليؤمروا أَحَدَهُمْ ) قَالَ نَافِعٌ فَقُلْنَا لِأَبِي سَلَمَةَ فأنت أميرنا
قال ابن تيمية " إذا كان الرسول  صلى الله عليه وسلم  قد أوجب الإمارة في أقل الجماعات  وأقصر الاجتماعات أن يُولى أحدهم ، كان هذا تنبيهاً على ما عداه فإذا كان أكثر فهو أهم من ذلك .
أمثلة لعمليـــة الانضبـــاط :
 1_ الانضباط في الوقت قال ابن القيم رحمه الله : "الوقت أبيٌّ  الجانب ،بطيء الرجوع ، فالوقت أعز شيء ، فإذا فات الوقت لا يمكن استدراكه البتة ، لأن الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص ، فإذا فات وقت فلا سبيل على تداركه "واستغلال الوقت يقضي على التأخير ، فالمهمات المفتوحة لاتنتهي أبداً ، ويكون الاستغلال كالتالي :
• 
أن يوجد آمر يستغل الوقت بتنظيم أفكاره
• 
وأن يوجد مأمور يأخذ تلك الأفكار بوجه حسن
• 
وأن يوجد آمر يستخدم الوقت استخداماً حسناً 
• 
وأن يوجد مأمورون تُستغل طاقاتهم كلها بانتظام
فالوقت أغلى ما يملكه الإنسان فالوقت هو الحياة والوقت لـه طول ، وعرض ، وعمق  يقول الأستاذ أبوالحسن الندوي رحمه الله : الوقت لـه طول : وذلك كالموظف الذي لا يهمه من الوقت إلا مروره انتظاراً للراتب ، فلا يفكر في إنجازه ما أنجز ، أو عمل ماذا عمل ولكن تفكيره منحصر في مرور الوقت  ومتى يصل إلى مراده  ؟فهذا يستفيد من
طول الوقت، فهو يعد الليالي والأيام وهي تعده    
ودقات قلب  المرء قائلة لـه إن الحياة دقائق وثوان
وللوقت عرض : وذلك يؤدي ما يؤديه غيره من الأعمال المطلوبة منه فالجندي المطلوب منه أن ينفذ مهمتين ، وأن يقطع كذا مسافة من الهدف المحدد ، فإذا أتم فقد استفاد من عرض الوقت .
وللوقت عمق : وهو البركة في الوقت، وذلك بأن تنجز من الأعمال ما يحتاج إلى وقت طويل في وقت أقل  فإن حصلت عليه تكون قد حصلت على البركة في الوقت .
وبهذا الأخير نفسر الإنجازات التي تحققت على أيدي علمائنا المسلمين  فإن الوقت لو كان بطوله أو عرضه الذي قضوه في الدنيا فإنه لا يكفي لما حققوا من علم وإبداع وعمل وجهاد ، ولكنهم حصلوا على عمق الوقت فبارك الله في جهودهم وأوقاتهم ،
ومصداق قول الأستاذ الندوي رحمه الله تعالى وارد في الحديث الآتي :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بشيء أحب إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يتقرب إلي بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التي يبطش بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ استعاذني لأعيذنه ، وَمَا تَرَدَّدْتُ بْشَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الموت وأنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ  )
2_ الانضباط في بذل الجهد من قبل الفرد
يمنع من تعيين مراقب عليه
كما أن إيقاظ الضمير والخشية الداعية إلى إجادة العمل تمنع كذلك .

3_ الانضباط في الأخذ بطريقة العمل المناسبة
توفر الجهد والمال , الوسيلة تحدد ذلك   .
أما ضبط العلاقة مع الكون ،إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه  عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ كَتَب الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) وبكمال هذا الضبط يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة ، وتكمل طاعته المؤدية إلى رضا الله تعالى
ثانياً : تحقيق العزة والسيادة
الطاعة طريق الوحدة
الوحدة طريق القوة
القوة تعني العزة والسيادة قال علي رضي الله عنه : أفعلتم ما أمرتكم به ؟  قالوا : لا قال : والله لتفعلن ما تؤمرون به ، أو لتركبنَّ أعناقكم اليهود والنصارى .
ثالثاً : عدم فوات الدنيا لا في نفس ولا في مال ، هناك تصور خاطئ أن الطاعة قد تفوت النفس أو المال فهذا حذيفة رضي الله عنه عندما أطاع النبي  صلى الله عليه وسلم وذهب ليأتي بخبر الأحزاب لم يشعر ببرد ولا ريح ، بل عافاه الله ببركة إجابته للنبي صلى الله عليه وسلم  ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التميمي عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَرضي الله عنه فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ ،  فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ  لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الأحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (  أَلا رجل يأتيني بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ )
ثُمَّ قَالَ أَلا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القوم جعله اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ  فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ منا أحد ثُمَّ قَالَ أَلا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ الله معي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ، فَقَالَ : ُقم يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ أجد بدا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ قَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بخبر القوم ، ولا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ ، فَرَأَيْتُ أَبَا سفيان يصلي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فأردت أن أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَلا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لأصَبْتُهُ ، فرجعت وأنا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فأخبرته بخبر الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يصلي فيها فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ ( قُمْ يَا نَوْمَانُ )
ثالثاً : الهداية إلى الصراط المستقيم لا سيما في الأمور المشكلة ،  والمواقف المباغتة
-الطاعة تعني مجاهدة النفس ، والانتصار على ميولها وأهوائها
-
وعد الله لمن جاهد نفسه أن يوفقه إلى طريق الهداية والخلاص قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا الَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ  الْمُحْسِنِين ) قال ابن عطية رحمه الله في الآية : "وهي قبل الجهاد المعروف ، إنما هو جهاد عام  في دين الله وطلب مرضاته "
رابعاً : المزيد من الثبات على الطاعات .
-يثيب الله على الطاعة بالتوفيق لطاعة أخرى>
-
يعاقب الله على المعصية بمعصية أخرى .
-عدم الطاعة فتح لضياع ثمرات الجهاد والصبروالجهودقال تعالى (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهتدوا هدى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ  ثَوَابًا وخير مردا  ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هدى وآتاهم تَقْواهُمْ )
خامساً : حصول الأجر العظيم الطاعة سبب لرضوان الله ودخول جنته ، والعصيان سبب لدخول ناره يقول ابن القيم رحمه الله : " وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ورجاء هذه والهرب منهذه، فترت عزائمه ، وضعفت همته  ووهى باعثه ، وكلما كان أشد طلباً للجنة وعملا لها ، كان الباعث أقوى ، والهمة أشد ، والسعي أتم ، وهذا أمر معلوم بالذوق ولو لم يكن مطلوباً للشارع ، لما وصف الجنة للعباد ، وزينها لهم ، وعرضها عليهم ، وأخبر عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم عنها ، وما عداه أخبرهم به مجملاً ، كل هذا تشويقاً لهم، وحثاً لهم على السعي لها سعياً "
والطاعة سبب لمرافقةالصالحين فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجنة إلا مَنْ أَبَى  قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ ( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ) وفوائد ذلك مجموعة في قوله تعالى  (   وَلَوْ أنا كتبنا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دياركم ما فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يوعظون به لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ، وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ من لدنا أَجْرًا عَظِيمًا ، وَلَهَدَيْنَا هُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيـمًا ، ومن يطع اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عليهم مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصالحين وحسن أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بالله عليما).
سادساً : البقاء في جماعة وعدم الانفراد .
-لا يوجد العمل المتسق المفيد إلا بمؤسسة وخطة
-
ولا تنفذ الخطة إلا بإمرة
-
ولا إمرة إلا بطاعة فلا يتحقق البقاء إلا بطاعة وانضباط يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمرة ، ولا إمرة إلا بطاعة " ويقتضي البقاء في جماعة الإعراض عن  المتأخرين
 =
المقاومة والجهاد قطار يتحرك بركابه الكثير ، ويقف في محطات يصعد إليه قوم ، وينزل آخرون ، فلا تُمكّن النازلين ولو لإعادة نازل غيرك ، فلعل القطار يتحرك ويتركك ، فالأولى أن تنصح من يريد النزول وأنت على مقعدك في القطار ، أو تطلب من الناس أن يصعدوا وأنت مكانك .
والعمل مع الغير يتطلب أموراً منها :
-
فقه دقيق
-
صبر جميل
-
ترويض للنفس
-
قدر كبير من ضبط النفس
-
نكران الذات
-
التواضع
-
قابلية الانسجام مع سير المشتركين معه في العمل
-
قبول الرأي المخالف لرأيه .
·      الأدلة على لزوم الانضباط والطاعة
ما من رسول من الرسل إلا وقد طالب  قومه بأمرين  : التقوى والطاعة  قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)
 = قال تعالى : (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمرمِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلك خير وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) وقال تعالى : (قُلْ أَطِيعُوا الله والرسول فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يحب الكافرين) ، وقال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول واحذروا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البلاغ المبين) ،وقال تعالى : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذا دعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سمعنا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون ) .
= عَنْ عبدا لله بن عمر رَضِي اللَّهُ عَنْهماُ عَنِ النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المرء المسلم فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ ، فإذا أمر بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ ) .
= عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جيشا وأمر عَلَيْهِمْ رَجُلاً فَأَوْقَدَ نَارًا ، وَقَالَ ادْخُلُوهَا فأرادوا أن يَدْخُلُوهَا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا فذكروا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أن يدخلوها( لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وَقَالَ لِلآخَرِينَ لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ بالمعروف ) .
والأدلة كثيرة يكفي ما ذكر .

تاريخ الالتزام بالطاعة والانضباطفي حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم كثيرة نرى بعضاً منها
* سرية عبدالله بن جحش رضي الله عنه إلى نخلة
إن إرسال هذا البعث إلى نخلة  يمثلقوة للمسلمين يجب أن تفكر فيها مكة قبل أن تقدم على أي عمل .
ويمثل نية لابد من حسابها عند أعضاء دار الندوة بمكة فهي تمثل عمقاً بالنسبة لمكة فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكتف بتهديدهم بتعرض قوافل قريش المتجهة إلى الشام شمالاً بل قام بتهديد القوافل المتجهة إلى اليمن جنوباً في منطقة لا يمكن أن يتصورها متصور في تلك الظروف
إن مكة و أهلها متجهة بكل حواسها تراقب جهة الشمال وما يأتي به الركبان من أخبار محمد صلى الله عليه وسلم وتحركاته فإذا بها تفاجأ بالضربة من الجنوب ضربة لم يكن في حسبانها أن تقع ولم تتصور أن يصل إليها المسلمون ، فكان لهذا العمل الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذه أصحابه حيث استطاعوا أن يخفوا حركة هذه القوة أثر كبير في معركة بدر وقيام المشركين باستعراض لعضلاتهم وقواتهم
* تاريخ السرية :قال ابن إسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش ابن رئاب الأسدي في رجب مقفلة من بدر الأولى وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد وكتب له كتاباً وأمره أن لاينظر فيه حتى يسير يومين ثمينظر فيه فيمضي لما أمره به و لا يستكره من أصحابه أحداً فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارها، فلما نظر في الكتاب قال سمعا وطاعة وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال لقد نهاني أن استكره أحداً منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع أما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد  
ومن أهم المواقف التربوية العملية في الطاعة والانضباط في حياة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث يوم أحد وذلك :
أن  النبي صلى الله عليه وسلم اختار خمسين من الرماة وجعل عبد الله بن جبير أميراً عليهم وأمرهم بملازمة جبل ( عينين ) المقابل لجبل أحد من الجهة الجنوبية وحدد مهمتهم بحماية المسلمين من التفاف خيالة المشركين عليهم ، ورمي خيل المشركين بالنبل إن اقتربت ، وذلك لتحييد سلاح الفرسان في المعركة ، حيث أن الخيل أشد ما يؤذيها النبل .
وكان التوجيه لهم الصادر إليهم : عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِي اللَّهُ عنهما قال جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرجالة يوم أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَاللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ : ( إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ ، فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هذا حتى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وأوطأ ، فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ فَهَزَمُوهُمْ قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ ظهر أصحابكم فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جبير أنسيتم مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فلنصيبن مِنَ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ) .
عدم الطاعة هزيمة
وقدلحظ خالد بن الوليد - وكان قائداً لخيل قريش - ما حدث على جبل الرماة من نزول وزاول خطر النبال على حركة الخيل فانتهز فرصة سانحةليقومبحركة التفاف خطيرة حول المسلمين حيث نادى في خياله المشركين وقادهم إلى خلف خطوط المسلمين  وصعدت فرقة منهم  إلى جبل الرماة فقتلت عبدالله بن جبير ومن معه رضوان الله عليهم ثم بدأت بضرب المسلمين من الخلف وقد رأى المشركون ما فعل خالد فعادوا للقتال من جديد وفي درس الطاعة في أحد
يــــرديجب على المؤمن أن يطيع الأمر المتوجه إليه من ولي الأمر المؤمن لأن في طاعته طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحصول للأجر من الله على تلك الطاعة ، كما أن عليه أن يترك الاجتهاد المخالف للأمر الصريح مهما كانت وجاهة الاجتهاد فالإسلام دين اتباع .
·      من هـــم أولـــواالأمر الواجبـــة طاعتهـــم  ؟ 
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطيعوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمر منكمفإن تنازعتم فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كنتم تؤمنون بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ  رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( نَضَّرَ اللَّهُ امرأ سمع مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فقه إلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قلب مسلم ، إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ومنا صحة أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ،وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ) وفي رواية بدل أئمة المسلمين ( ولاة الأمر ) .
 معنى أولي الأمر في اللغة :
أولي : جمع لا مفرد لـه بمعنى : ذوو  أي أصحاب ، ولا يـأتي إلا مضافاً
الأمر : يطلق ويراد به ضد النهي ، ويجمع على أوامر  يقال أمره فأتمر ، أيقبل أمره ، وقد يراد به الشأن ، ويجمع على أمـور – وهو المقصود هنا
 –والأمر مصدر أمر يأمر ، مثلث الميمبمعنى ولي ، الإسم الإمرة وهي الإمارة والمعنى الشرعي : أولوا الأمر : أصحاب التصرف في شأن الأمة الذين يملكون زمام الأمور وبيدهم قيادة الأمة .
ماالمراد بأولي الأمر الوارد في الآية والحديث؟
والظاهر في الأمر أن أولي الأمر هم العلماء والأمراء الصالحون منهم ، فتجب طاعة الحكام المؤمنين في السياسة وقيادة الجيوش وإدارة البلاد ، وتجب طاعة العلماء في بيان أحكام الشرع وتعليم الناس الدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "  قال ابن عاشور رحمه الله" :ولما أمر الله بطاعة ولي الأمر علمنا أن أولي الأمر في نظر الشريعة طائفة معينة ، وهم قدوة الأمة وأمناؤها ، فعلمنا أن تلك الصفة تثبت لهم بطرق شرعية إذا أمور الإسلام لا تخرج من الدائرة الشرعية ، وطريق ثبوت هذه الصفة لهم إما الولاية المستندة إليهم من الخليفة ونحوه ، أو من جماعات المسلمين إذا لم يكن لهم سلطان ، وإما صفات الكمال التي تجعلهم محل إقتداء الأمة بهم وهي الإسلام والعلم والعدالة ، فأهل العلم العدول : من أولي الأمر بذاتهم لأن صفة العلم لاتحتاج إلى ولاية بل هي صفة قائمة بأربابها الذين اشتهروا بين الأمة بها ، لما جرى من علمهم وإتقانهم في الفتوى والتعليم
 وقال في الظـــــــــــــلال :
" وأولي الأمر منكم : أي من المؤمنين الذين يتحقق فيهم شرط الإيمان وحد الإسلام المبين في الآية ، من طاعة لله وطاعة الرسول ، وإفراد الله سبحانه بالحاكمية ، والتلقي منه وحده فيما نص عليه والرجوع إليه أيضاً فيما تختلف فيه العقول والإفهام  والآراء ممالا يرد فيه نص.
والنص يجعل طاعة الله أصلا ، وطاعة رسوله أصلاً كذلك، ويجعل طاعة أولي الأمر منكم تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله ، فلا يكرر لفظ الطاعةعند ذكرهم كما كرره عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله ،بعد أن قرر أنهم منكم بقيد الإيمان وشرطه .
·    أنـــواع الطاعــة وحكــم كل نــوع
أولا : طاعة الله تعالى قال تعالى (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تبطلوا أَعْمَالَكُمْ ) ،  ومن حق الباري جل ثناؤه على من أبدعه أن يكون أمره عليه نافذاً وطاعته له لازمة. قال الطبري في تأويل قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ  لِيَعْبُدُوا إِلَهاً واحدا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، قال الحسن : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً في الطاعة ، وطاعة الله هي الرضا بدينه تعالى ، قال ابن القيم رحمه الله: فالرضا بإلوهيته : يقتضي الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ، ورجائه ، والإنابة والتبتل إليه ، وانجذاب الإرادة والحب كلها إليه ، فِعل الراضي بمحبوبه كل الرضا ، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له و الرضا بربوبيته : يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه والاستعانة والثقة به ، والاعتماد عليه ، وأن يكون راضياً بكل ما يفعل به
فالأول يتضمن رضاه بما يؤمر به
والثاني  يتضمن رضاه بما يقدر عليه ، ويلحق الرضا بدينه : فإذا قال أو حكم أو أمر  أو نهى رضي كل الرضا ، ولم يبق في قلبه من حرج من حكمه وسلم لـه تسليماً ، ولو كان مخالفاً لمراد نفسه وهواها ، أو قول مقلده وشيخه وطائفته .
ثانيا : طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )وقال تعالى : (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فإن تولوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وإن تطيعوه تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ومن تولى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) .

·   حـــدود الطاعـــة ومجـــالات الانضبـــاط :
أولا: طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليسلها حدود فيجب على المسلم طاعتهما مطلقاً في كل ما أمرا به ونهيا عنه قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) وقد بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك كما مر في حديث عبادة رضي الله عنه وغيره
ثانياً : طاعة المخلوقين ممن تجب طاعتهم كالأمراء والعلماء والوالدين وغيرهم فتنقسم الطاعة إلى قسمين:
 أ‌. الطاعة بالمعروف.
ب‌. الطاعة في المعصية  لان ما يأمر به أولي الأمر إما طاعة أو معصية.
الأول الطاعة في المعروف والمقصود به المعروف شرعاً لا عقلاً كالذي أمر به الشارع أمرا جازما وهو الواجب ، أو أمر به أمراً غير جازم وهو المندوب ، أو خير في فعله وتركه وهو المباح  فكل ذلك من المعروف ، فما حكم طاعة أولي .
الأمر بذلك ؟
فأما الطاعة في الواجب كأن يأمر بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة ونحو ذلك فطاعته واجبة بالإجماع ، لأن هذه الأمور واجبة في ذاتها ، وولي الأمر منفذ وقائم عليها  .
وأما الطاعة في المندوب: كأن يأمر ولي الأمر ببناء المساجد والمستشفيات أو شق الطرق وكل ما يحتاج إليه الناس ، ومثل ذلك لو نهى عن الإسراف في الولائم والأفراح , أو اختلاط النساء بالرجال . فالطاعة عندئذ واجبة أيضاً لأن ما أمر به أو نهى عنه قد أمر به الشرع أو نهى عنه في الأصل ، ولأن هذه الأمور داخلة دخولا أولياً في المعروف الذي تجب طاعته فيه
أما الطاعة في المباح: فقال بعض أهل العلم :تجب الطاعة فيه لأنه داخل في المعروف الذي شرعت الطاعة فيه ، إلا أن يكون فيه ضرر على المأمور به.
الطاعة بالمعصية والطاعة لولي الأمر في المعصية لا تجوز، والمقصود فيما يأمر من أفعال محظورة شرعا، وعلى هذا أجمع أهل العلم :قال ابن القيم رحمه الله تعليقاً على حديث آمر السرية الذي أمر أصحابه بدخول النار :وقد تقدم في الأدلة
" وفي الحديث دليل على أن من أطاع ولاة  الأمر في معصية الله كان عاصياً ، وأن ذلك لايمهد له عذراً عند الله ، بل إثم المعصية لا حق له "عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المرء المسلم فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فإذا أمر بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ ).
·   مجالات الانضباط  وحدوده
الانضباط يشمل كل شيء فكل ما في الوجود منضبطاً  والذي يهمنا من ذلك هنا جانبين :
أولاً : الجانب العبادي الديني :وأساس الانضباط فيه الاستقامة فمن تجاوز الصراط المستقيم فهو غير منضبط قال تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تتبعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وقد شرح النبي صلى الله عليه وسلم طريق الله المستقيم من خلال الرسم البياني ، حيث خط خطاً مستقيماً ثم خط عن  يمينه خطوطاً ،  وعن يساره خطوطاً  ثم قال هذا صراط الله المستقيم ، وهذه الخطوط كل سبيل منها عليه شيطان
يدعو إليه ، وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثقفي رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أعتصم به قَالَ ( قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ ) قُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا)
ثالثاً : الجانب الجهادي والقتالي  :( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ( ، ويكون الإتقان في هذا الجانب بالتالي :
1- إتقان العمل القتالي بمباشرة الحضور التدريبي في وقته المحدد لـه دون تأخير
2- إتقان العمل الجهادي باستكمال العدة والإعداد في وقتها المحدد وعدم التسويف ، فالتماطل عجزوكسل
3- إتقان الإثخان في العدو والإبداع في طرائق إغاظته قال تعالى : ( ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح ) 4- اتقان المحافظة على المكاسب والمنجزات وسد الثغور فالثغور إذا لم تحصن تحولت الى ثغرات والأهداف إن لم تتبعها الأعمال تحولت إلى أماني وأمنيات.
·   مظاهر كمال الطاعةوالانضباط
أولاً : اطلاع القيادة الآمرة بآخر التطورات المتعلقة بالأمر قال تعالى : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِالْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمر منهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ الله عليكم وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً  ) وه\ا يقتضي عدم نشر الأشاعة والمعلومات الناقصة وغير الموثوقة فالكلمة عند أولي الأمر بناءه وعند من لا علاقة له بالقضية هدامة والمخذل لا يقل خطره عن المقاتل 
ثانياً : الصبر والمصابرة والتحمل حتى يقع التنفيذ للأمر على النحو الذي صدر  به دون إخلال أو تعطيل
وأول الصبر هو : الصبر على عثرات الطريق لأن طريق الإيمان طريق الابتلاء والصبر والتحمل لتزكو النفوس ، قال تعالى : (أم أحسبتم أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهدوا منكم وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ ولا المؤمنين وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)  وقال تعالى : (آلم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لايُفْتَنُون ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُالَّذِينَ صَــدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) .
ثالثاً : فهم الأمر الصادر فهماً دقيقاً ، ضماناً لسلامة ودقة التنفيذ بالاستفسار عن كيفية التنفيذ فعَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَارَسُولَ اللَّهِ إِذَا بَعَثْتَنِي أَكُونُ كَالسِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ أم الشاهد يَرَى مَا لا يَرَى الْغَائِبُ قَالَ ( الشَّاهِدُ يَرَى مَا لا يرى الغائب )      
رابعاً : الاستجابة الفورية للأمر ، وإن كان على خلاف الرأي وما تهوى النفس قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استجيبوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أنا الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، وقصة حذيفة في ليلة الأحزاب وتنفيذه للأمر الصادر إليه بالتعيين وقد تقدم الحديث عنها فيما سبق .
خامساً : بذل النصيحة عندما أراد النبي أن يرسل عمراً رضي الله عنه وهو بالحديبية إلى مكة ، ليبلغ قريشاً أنه إنما جاء معتمراً معظماً للبيت ، ولم يأت لقتال  نصحه عمر بأن يرسل عثمان رضي الله عنه لقوة قرابته بمكة حيث ستتوفر له الحماية من الأذى ولا يقول أحد لماذا لم ينفذ عمر مع أن حذيفة نفذ في ليلة الأحزاب ما طُلب منه فإن عمر رضي الله عنه قي موقع المستشار للنبي صلى الله عليه وسلم وحذيفة في موقع الجندية.
سادساً : الاستئذان هو أخذ الإذن عند أي تصرف من شأنه أن يُخل بوحدة الصفوتماسكه قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمنوا بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يستأذنوك أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
سابعاً : الحرص على أمن وسلامةالقيادة باتخاذ موقع حصين لها وحراسة أمينة كما صنع الصحابة للنبي في غزوة بدر الكبرى .
ثامناً : المبادرة بطرح أو اقتراح ما هو نافع ومفيد كما صنع المسلمون حينما وصلوا إلى ميدان المعركة ببدر
تاسعاً  : ترك الاجتهاد مع النص  ، قصة عمر رضي الله عنه في يوم الحديبية ، جاء عمر بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَقَالَ بَلَى  فَقَالَ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى  قَالَ فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيننا وبينهم فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ
مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا فَنَزَلَتْ سورة الفتح فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ  .
·     أسباب عدم الطاعةوالانضباط
أولاً : الاستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية والظن ، فالاستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية هي السبب في ضعف أو تلاشي الالتزام والانضباط والطاعة  , ذلك أن الشيطان قاعد للإنسان لاسيما المسلم بالمرصاد . يوسوس بإلقاء الشبهات والأباطيل كي يصرفه عن طريق الله ، قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كما أخرج أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاتَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لايُؤْمِنُونَ)
 
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُلَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) وقال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ  ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ،الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ( قال بعض السلف : "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط ، وإما إلى مجاوزة ، وهي الإفراط ، ولا يبالي بأيهما ظفرزيادة أو نقصاً "ومن أهم وساوس الشيطان التحريش وتفكيك بنيان الأمة ، وهو هدف أساسي للشيطان وأولياءه  ، حيث يؤدي إلى الضعف والذلة والهوان ، فعَنْ جابر رضي الله عنه  قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ في جزيرة الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) فيجب أن يبتعد المؤمن عن الظن السيئ بإخوانه ليصفي قلبه ، وتدوم محبته لهم ، ويبعد الشيطان عن وسوسته لـه قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّبَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بعضا أيحب أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )
ثانياً: الإطراء بالمدح والإعجاب بالنفس ، والعجب هو : إحساس الفرد بتميز كلامه  وفعله  وصورته  العامة عن الآخرين مما يجعله معجباً بنفسه ، فيزكي نفسه ويتعالى بذاته على الآخرين وقد قال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يروا كل آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَبِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
ثالثاً : التنافس وعدم تحمل الرأي الآخر والفرقة ، التنافس هو : أن يكون هناك تنافس بين أفراد المؤسسة  الواحدة أو المؤسسات التربوية  المختلفة لا على أساس القرب من الله بل على أسس من حظوظ النفس ، وإظهار العمل للبشر ، والبروز في المجتمع أو النكاية بالمؤسسات الأخرى من منطلقات ضيقة بعيدة كل البعد عن التسابق في إرضاء الله تعالى وهذا هو التنافس المذموم ، عَنْ أَبِي أمامه رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :ما ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كانوا عليه إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) ، لذا تجد أن التركيز على سلبيات الرأي المخالف دون النظرإلى إيجابياته ، وعدم الاعتراف بالخطأ برأيه إن كان هناك خطأ  هو الغالب عليه ومرد ذلك يعود – والله أعلم - إلى عدم صفاء النيات وابتغاء وجه الله تعالى ، والذي يؤجج هذا الأمر الحسد قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قـَالَ ( دَبَّ إِلَيْكُمْ داء الأمم قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أقول تحلق الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ،أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَالكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ) .
رابعاً : حب الرياسة والرغبة في التحرر من سيطرة وسلطان الآخرين ، بعض الناس ينشأ دون أن يذوق طعم الطاعة لأحد ولو مرة واحدة , ومثل هذا إذا وضع في محيط جماعي فإنه يعز عليه بل ويكبر في نفسه أن يكون فوقه  أحد "
والمقصود هنا هو : طلب تولي المسؤولية والحرص عليها ، أي طلب الفرد للرئاسة ، ومحاولة بروزه أمام الناس دون  أن يطلب ذلك منه ، وقد ورد النهي عن هذا : فعن  عبد الرحمن بْن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم  ( يَا عبد الرحمن بْنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ أوتيتها عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غير مسألة أُعِنْتَ عَلَيْهَا
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قال قلت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ ( يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أمانة وإنها يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أخذها بحقها وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا ) ، وقد بينت النصوص النبوية أن أبعد الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ، وهم المتكبرون ، فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أحاسنكم أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُون والمتفيهقون قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَوَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المتفيهقون قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ ) ، هذا الصنف المذكور لا انضباط لهم لا في القول ولا في العمل ولا في الأحكام التي يصدرونها
خامساً : الاجتهاد المخالف وهو القيام بعمل من أعمال الدعوة دون استئذان من أحد  ويكون عادة مخالفاً لأوامـر المؤسسة التي ينتمي إليها ،  اعتقاد اً من المجتهد أن رأيه أصوب من رأي المؤسسة ، وقد يكون اجتهاده ذو نتائج إيجابية أوسلبية ، وغالباً ماتكون النتائج سلبية ، ويدفعه على هذا السلوك أمور منها :
أ _  استباق المسئول ، والأدب في هذا قوله تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولولا فضل اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلا قليلا)
بـــ _ الاستعجال والعجز عن تحمل المشاق ومتاعب الطريق ،إن بعضاً من العاملين للإسلام يملك جرأة وشجاعة وحماساًلعمل وقتي , ولو أدَّى به إلى الموت , ولكنه لا يملك القدرة على تحمل مشاق ومتاعب الطريق لزمن طويل ، مع أن الرجولة  الحقة هي التي يكون معها صبر وجلد وتحمل ومثابرة وجد واجتهاد حتى تنتهي الحياة . لذلك تراه دائماً مستعجلاً ليجنب نفسه المشاق والمتاعب , وإن تذرع بغير ذلك "وقد يدفع إليه  الجبن فهو يريد التخلص من المهمة الملقاة عليه ، والجبن هو : خوف الإقدام والعواقب ، وقد ينسف الانضباطمن أساسه إذا نكص عن التنفيذ قال تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ .

·     مقوضات خارجيــةلعــدم الانضباط والطاعة 
أولاً : المحن والابتلاء ، قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يقولوا آمنا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين ) .
ثانياً : الضغط العائلي ، دور الأب أو الابن أو الزوجة ( وهو أخطر الأدوار ضد الانضباط ) ، قال تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌتَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ ِإلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
ثالثاً : تبدل البيئة تأثير الجو المنضبط ظاهر والعكس بالعكس تبدل انضباط الفرد في البيئة الجديدة مؤشر إما على هشاشة انضباطه السابق أو على شحناء البيئة الجديدة
رابعاً : حركات الضرار ،بنى المنافقون في المدينة مسجداً ليجتمعوا فيه مكايدة للمسلمين ومضرة بهم ، وزعموا أنهم بنوه توسعة على المسلمين ، واستجابة لضعفائهم ومرضاهم ، والليلة الشاتية أوالممطرة ، ولكن حقيقة الأمر ما ذكره تعالى عن مقصدهم من ذلك البناء ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ اتخذوا مسجدا ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أردنا إلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )
·     مفهوم الطاعــــة :
( النزول على حكمـه )( تنفيذ ما يصدر عنه  ،  تواً على النحو الذي صدر منه )( إنما الطاعة في المعروف )
( الطاعة في حدود الطاقة والوسع ) ، يقول المودودي رحمه الله " من الوجهة الدينية الخالصة، فإن طاعة أفراد الجماعة لأميرهم في المعروف جزء من طاعتهم لله ورسوله ، وإذا كان الإنسان لم يقم بأمر هذه الدعوة إلا مع الاعتقاد بأنه إنما يقوم بأمر الله ورسوله وهو لم يرض بأحد أميراً على نفسه إلا ابتغاء وجه الله وتقرباً عليه ، فهو بطاعته لأميره في أوامره المشروعة إنما يطيع الله ورسوله في حقيقة الأمر ، ويكون مبادراًإلى ذلك على قدر ما يكون اتصاله بالله ورسوله، وطاعة الأخ هذه بما أنها لله ،فأجرها عند الله عظيم "
دروس فـي الكتمـــان من الـــرســــــول القـــــائـــد
كتـــم الأســرار العسكــــري
·   معنى الكتمــــــان :
في اللغة: كتم الشيء كتما وكتمانا: ستره وأخفاه, ومنه :الكتم الذي يكتم سره, والكتوم الذي يكتم سره ، ولكن (الكتـمان ) في المصطلحات العسكرية الحديثة , معناه: إخفاء المعلومات العسكرية الخاصة بقواتنا وأسلحتها وتنظيمها وتجهيزها وقيادتها وحركاتها , والخاصة بطبيعة الأرض أيضا ,عن العدو والصديق وعدم إفشاء الأسرار العسكرية مهمة كانت أم غير مهمة وصغيره كانت أو كانت كبيرة, تافهة كانت أم خطيرة لكل إنسان سواء كان عدوا أم صديقا .
وكتمان المعلومات العسكرية عن العدو لا يحتاج  إلي بيان , فمحاذيره معروفة ,نتائجه معروفة أيضا ، ولكن كتمان المعلومات العسكرية عن (الصديق),يحتاج إلي شيء من البيان .
ــ الصديق نوعان : نوع له علاقة بالقضايا العسكرية فإذا كان هذا الصديق فوق الشبهات ,فلا بأس من اطلاعه على المعلومات العسكرية التي لها صلة مباشرة بعمله وواجبه العسكري دون زيادة ولا نقصان .ونوع لا علاقة له بالقضايا بالعسكرية , فيجب ألا تفشي له معلومات العسكرية في أية حال من الأحوال.فقد يكون هذا الصديق يحب التظاهر والتباهي فيذيع ما طلع عليه من الأسرار العسكرية.وقد يكون غير مقدر لأهمية (الكتمان ) وقد كون غير مقدر لأهمية ما اطلع عليه من أسرار عسكرية , فيذيع ما يعرفه عنها لكل من هب ودب .

ومن المحرم على العسكري الحق ,أن يبوح بأسراره حتى لوالديه وذوي قرباه
وفي التاريخ العسكري أمثلة كثيرة ,نذكر كيف استطاع العدو أن يطلع على الأسرار العسكرية من عوائل العسكريين–خاصة النساء منهم – فضيعت تلك الأسرار كثيرا من المعارك والحروب.
إن الأسرار العسكرية ,يجب أن تبقى في طي ( الكتمان )ولا عذر لمن يذيعها بحجة أو بأخرى لعدو أو الصديق على حد سواء ، والذي يطلع على الأسرار العسكرية ,يجب أن يصونها بالكتمان .ولا فرق في ذلك بين العسكريين والمدنيين.
·   أهميـــــة الكتــمان :
لقد كان من جملة أسباب انتصار إسرائيل على العرب ففيحرب حزيران(يونيو)1967. وهو أن إسرائيل استطاعت اقتناص الأسرار العسكرية العربية . فحاربت العرب على هدى وبصيرة وقد صرح المسئولون العسكريون في إسرائيل بأن من أهم أسباب انتصارهم على العرب ,أن مخابراتهم استطاعت بوسائلها لحصول على أدق المعلومات العسكرية عن العرب .
والدرس الكبير الذي يجب أن يتعلمه العرب من تلك الحروب , وهو أن يصونوا معلوماتهم عن أسرارهم العسكرية , وأن يتحلوا بأعلى درجات الكتمان ، ولو كان العرب شعوبا وحكومات , وأفرادا وجماعات , عند مسؤولياتهم التاريخية في ( الكتمان ).
وهم في حرب حياة أو موت , ضد إسرائيل المعتدية المغتصبة , لما استطاعت إسرائيل أن يجمعوا المعلومات المفصلة الدقيقة , عن الجيوش العربية وعن أسرارها العسكرية الحيوية ، ولكن العرب مع الأسف الشديد, استهانوا بعدوهم وتهاونوا في ( الكتمان ) أسرارهم العسكرية , فحلت بهم النكبة , وضيعوا القدس الشريف وأجزاء واسعة من أرضهم .
لقد كنت في سيارة تنهب الأرض نهبا في أحد البلاد العربية, فسمعت سائقها يتبجح بعرض معلوماته عن المطارات العسكرية وعن أوكار الطائرات الجاثمة فيها!!! ، وكان في السيارة عدد من الركاب لا أعرفهم فما سمعت أحدا منهم استنكر أقوال السائق وأمره بالسكوت ، وحين تمادى السائق في غيه ,حاولت أن أضع حدا لحديثه , ولكنه زعم أن المعلومات التي ذكرها يعرفها كل إنسان !!ومن المذهل حقا , أن الركاب الآخرين أيدوه في ادعائه .
هل يعرف كل إنسان كل المعلومات الخطيرة عن الأسرار العسكرية العربية ،إذا كان الأمر كذلك فإنه سيؤدي إلي كوارث لا يعلم إلا الله مداها وتأثيرها, ولا بد لكل حريص على شرف أمته من أن يتعلم( الكتمان ) . ويعلم ( الكتمان ).غيره من الناس  ، يجب أن تلقى المحاضرات عن ( الكتمان ) في المدارس والمعاهد والجامعات ويجب أن يركز خطباء الجوامع على أهمية التحلي بمزية (الكتمان) ، ويجب أن يرسل البعوث إلي المدن والقرى والأرياف لتعليم السكان أهم( الكتمان) ، يجب أن يعرف الشعب كله بكل مكان , أهمية الحرص الشديد على المعلومات العسكرية خاصة والمعلومات الأخرى التي لها طابع سري ، يجب أن نحذر الناس من مغبة (الثرثرة). التي لا طائل من ورائها ولا جدوى ولا فائدة ،إن قضايا (الكتمان ) لها نتائج حاسمة على النصر والاندحار, والأمة التي لا تتحلى بالكتمان الشديد لا تنتصر أبدا.
·   تراث الكتمان العربي والإسلامي :
من المعلوم أن (المباغتة) مبدأ من أهم مبادئ الحرب , والكتمان  وسيلة من وسائل تطبيق هذا لمبدأ , لأن العدو الذي يكشف نيات من يحاربه قبل وقت مبكر, ولابد من أن يعمل بكل طاقاته على إحباط تلك النيات .
وقد كان الكتمان ولايزال وسيبقى من سجايا العربي الأصيل ,وفوق ذلك فهو عند المسلم الحق (دين ).واجب التمسك به في السلم والحرب .ولو أردنا أن نستقي ما ورد في الأدب العربي شعرا ونثرا عن الكتمان . لطال بنا المقال وبعد الشوط  وسأقتصر على بعض الأمثال العربية الشائعة .من تلك الأمثال )إياك أن يضرب لسانك عنقك ).(وإن للحيطان آذانا).و(صدرك أوسع لسرك). ( الحذر أشد من الوقيعة).وقال تعالى في كتابه العزيز:( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا  به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا).هذا الأمر الإلهي يرشد المسلمين ليس إلي أهمية الكتمان حسب ,بل إلي وجوب إخبار المسئولين عن كل أمر يؤثر في المعنويات تأثيرا سيئا ليروا فيهم رأيهم ويضعوا حدا لانتشاره وإشاعته حتى لا يتفاقم ضرره ويتوصل الذين أذاعوه إلي أهدافهم من إذاعته بسهوله ويسر.وهذا بالطبع يشمل القضايا المصيرية أما الأخبار عن القضايا الشخصية التافهة فهذا تجسس لا يقره الإسلام ، وقد حذر الإسلام من إذاعة الأسرار العسكرية وجعل من إذاعتها من شأن المنافقين , وطلب الرجوع بها إلي القيادة العامة , كما طلب من المسلمين أن يتثبتوا مما يصلهم من أنباء قبل الركون إليها والعمل بها :(لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدنية لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) ، وقال :( يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) ، ومن حديث رسول اللهr:( استعينوا على قضاء الحاجات بالكتمان ) ، وقال :( رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن شر فسلم)، وقال الإمام علي رضي الله عنه :( سرك أسيرك , فإن تكلمت به صرت أسيره) ، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :( القلوب أوعية الأسرار, والشفاه أقفالها , والألسنة مفاتيحها  فليحفظ كل امرئ مفتاح سره).
هذا قليل من كثير  مما ورد في كتمان السر من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال مأثورة , وكلها تحث على الاستمساك بهذه الفضيلة , وتحذر من العواقب الوخيمة التي تؤدي إليها إفشاء الأسرار.
إن السر أمانة ووديعة وعهد , وما كان للمسلم أن يخون الأمانة  أو يعبث بالوديعة , أو ينقض العهد والله تعالى يقول :( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا). ويقول الحسن بن علي رضي الله عنه :( إن من الخيانة أن تتحدث بسر أخيك).
وإذا كان السر أمانة ووديعة وعهد في العلاقات الشخصية التي تضر بمصالح شخص أو أشخاص ,فإن السر أمانة كبرى ووديعة عظمى وعهد وثيق في العلاقات الاجتماعية التي تضر بمصالح الجيش والأمة . إن الذي يفشي أسرار جيشه وأمته , مقصر أعظم التقصير في حق جيشه وحق أمته , وليس له عذر يعتذر به أمام الله وأمام الناس .
أمثلة عن الكتمـــــان :
والدروس العلمية التي يستطيع المسلمون أن يتعلموها من الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام  من الكتمان أكثر لا تعد ولا تحصى .وسنقتصر على نماذج قليلة من الدروس العملية المستنبطة من غزوات النبيr وسراياه حتى يعرف العسكريون المسلمون والمدنيون أيضا كيف كان عليه الصلاة والسلام يعتمد أقصى درجات الكتمان في أعماله العسكرية فقد يكون في ذلك عبرة  للعسكريين خاصة والمدنيين عامة .فقد بعث النبي r سرية المهاجرين قوامها اثنا عشر رجلا بقيادة عبد الله بن جحش الأسدي للقيام بواجبات استطلاعية .وتوجهت تلك السرية نحو هدفها في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجرة رسول اللهr ومع قائدها رسالة (مكتومة ) أمرها الرسولrإلا يفتحها إلا على بعد يومين من مسيره فإذا فتحها وفهم ما فيها ,مضى في تنفيذها غير مستكره أحدا من أفراد قوته على مرافقته .كان مضمون تلك الرسالة (المكتومة) :( إذا نظرت في كتابي هذا ,فامضي حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ,فترصدت بها قريشا و(تعلم ) لنا أخبارهم .
وبعد يومين من مسيرة عبد الله بن جحش عن قاعدة المسلمين بالمدينة المنورة فض تلك الرسالة (المكتومة) وأطلع رجاله على كتاب النبي r وأخبرهم بأن النبيrنهاه أن يستكره أحدا منهم على مرافقته ,فلم يتخلف رجل من رجاله وسارعوا إلى تنفيذها فورا.
لقد (ابتكر) الرسولr أسلوب (الرسائل المكتوبة). للمحافظة على الكتمان الشديد ولحرمان أعداء المسلمين من الحصول على المعلومات التي تفيد هم عن حركات المسلمين وأهدافهم ,وبذلك أخفى نياته عن العدو والصديق .
لقد سبق المسلمون غيرهم في (ابتكار ) هذا الأسلوب الدقيق للكتمان. قبل أن يفطن إليه (الألمان)ويستعملونه في الحرب العلمية الثانية
( 1939-1945) ،وربما يكون للألمان عذرهم في انتحال الابتكار  أسلوب ( الرسالة المكتومة)لسبب أو لآخر ..وادعاؤهم بأنهم أول من فكر في مثل هذه الرسائل . ولكن ما عذر المسلمين في مشايعة الألمان في ادعائهم هذا وزعمهم بأن الألمان هم أول من ابتكار هذا الأسلوب ؟لقد نسي المسلمون تراثهم وأصبحوا يستوردون ما يكتبه الأجانب حتى مجالات العربي الإسلامي .
أثــــر الكتمــــان في المباغتـــــة :
بلغ النبيr بعد شهرين من غزوة أحد أن طلحة وسلمه ابني خويلد يحرضان قومهما بني (أسد) بن خزيمة لغزو المدينة المنورة ونهب أموال المسلمين فيها ،وقرر النبيr إرسال دورية قتال بقوة خمسين ومائة مسلما من المهاجرين والأنصار بين راكب  وراجل .فيهم عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما بقيادة سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه للقضاء على بني (أسد) في وقت لا يتوقعونه .وسار أبو سلمة (ليلا ) وكمن ( نهارا) حتى وصل إلى ديار بني أسد , دون أن يعرفوا حتى حركته إليهم شيئا ,فأحاط بهم فجرا , فلم يستطع المشركون الثبات ,ثم ولو الأدبار، وأرسل أبو سلمة مفرزتين من قوته لمطاردتهم  فعادتا بالغنائم .
ـ وفي غزوة ( دومة الجندل )قاد النبيr ألف راكب وراجل من المهاجرين والأنصار لمنع القبائل البدوية التي تقطن (دومة الجندل ). من قطع الطريق ,ونهب القوافل , والقضاء على حشودها التي تعزم غزو المدينة .
وخرج رسول اللهrبالمسلمين من المدينة المنورة في ربيع الأول من السنة الخامسة الهجرية يكمن بهم ( نهارا)ويسير بهم (ليلا) ، وقد قطع المسلمون المسافة بين المدينة المنورة و(دومة الجندل ).بخمس عشر مرحلة , فلما وصل إليها المسلمون فرت القبائل خوفا من لقائهم , كما فر أهل( دومة الجندل ). فلم يجد المسلمون أحد منهم ،وعاد المسلمون من ( دومة الجندل ) بعد أن أقاموا فيها بضعة أيام .
ــ إن (كتمان) نيات المسلمين بالمسير ( ليلا), هو الذي جعلهم ينتصرون على أعدائهم , لقد كان التفوق العددي والعُددي مع أعداء المسلمين , ولكن ( الكتمان)هو الذي أدى إلى انتصار الفئة القليلة على الفئة الكثيرة بإذن الله .
والدرس الكبير القيم الذي يمكن استنباطه , هو (كتمان) حركة قوتنا من قواعدها إلى أهدافها من العدو والامتناع عن نشر أخبارها في الإذاعة و الإذاعة المصورةوالصحف والمجلات وبكل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لأن أعداءنا لنا بالمرصاد , فلا يجوز لنا ولا ينبغي أن نكشف لهم نياتنا مما يحملهم على إعداد الخطط اللازمة لإحباط حركتنا العسكرية في المكان والزمان المناسبين .
-         الأثـــر الشخصـــي في الكتمـــان :
ــ في غزوة ( الأحزاب ) التي كانت في شوال من السنة الخامسة للهجرة , علم النبي r أن بني قريظة من يهود قد نكثوا عهدهم الذي كان بينهم وبين المسلمين , وذلك بعد تطويق المدنية المنورة من عشرة آلاف مقاتل من قريش وغطفان وأشجع وسُليم وبني أسد  ، تحرج موقف المسلمين كثيرا ــ وكان عدد مقاتليهم ثلاثة آلاف مقاتل ــ وبعد أن نكث بني قريظة العهد , بعث النبي r رجلا إلى بني قريظة ليتأكد من انضمام بني قريظة إلى الأحزاب , وأمره أن ( يلحن ) بالقول حين يعود إليه ولا يُفصح في حالة نكث بني قريظة , خوفا على معنويات المسلمين من الانهيار, وحتى يستكمل المسلمون إعداد ( الخندق ) وإكمال استعدادهم العسكرية قبل أن ينتشر خبر بني قريظة بينهم  ، وحين أكمل المسلمون ما أرادوه إعداد وعُددا أخبرهم النبي rبما كان من أمر قريظة ليضعهم عند مسؤولياتهم الكاملة دفاعا عن الإسلام .ولو أن النبيrسمح بإذاعة نبأ نكث بني قريظة عهدها قبل أن يُعد المسلمون كل متطلبات القتال , لانهارت معنويات المسلمين لأن الخطر أصبح يهددهم من داخل المدينة وخارجها.
ــ وفي هذه الغزوة أيضا , جاء نُعيم بن مسعود الغطفاني إلي النبيr معلنا إسلامه, وأخبره أنه أسلم ولم يعلم قومه بإسلامه, فقال له النبيr:(إنما أنت رجل واحد فخذل عنا مااستطعت ,فإن الحرب خدعة ).وكتم النبيrإسلام نُعيم , فلم يعرف قومه ولا بني قريظة عن إسلامه شيئا .

فخرج نُعيم حتى أتى بني قريظة , وكان مودا لهم في الجاهلية ,فقال لهم ( عرفتم ودي وإياكم ,وقد ظاهرتم قريش وغطفان على حرب محمد , وليسوا كأن البلد بلدكم به أموالكم وأبنا}كم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه , وأن قريش وغطفان إن رأوا نزهة وغنيمة أصابوها , وإن كان غير ذلك  لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين محمد , ولا طاقة لكم به ,فلا تقاتلوا حتى تأخذوا منهم رُهنا من أشرافهم حتى تناجزوا محمدا) .
قالت بنو قريظة : أشرت بالنُصح , ولست عندنا بمتهم"، ثم خرج نُعيم إلي قريش فقال لهم :" بلغني أن قريظة ندموا , وقد أرسلوا إلي محمد: هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان  رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم , ثم نكون معك على من بقى منهم؟ فأجابهم : أن نعم! فإن طلبت منك قريظة رجالكم فلا تدفعوا لهم رجلا وأحد .. ".
وجاء نُعيم غطفان فقال لهم:" أنتم أهلي وعشيرتي  ....".وقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم !!
وأرسل أبو سفيان بن حرب وسادة غطفان إلي بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان في ليلة سبت , وطلبوا منه الاستعداد للهجوم على المسلين نهار السبت  , ولكن قريظة اعتذروا بأنهم لا يقاتلون يوم السبت .. ثم طلبت قريظة رهائن من قريش وغطفان قبل أن تشرع بأي هجوم !!قالت قريش وغطفان :" لقد صدق نُعيم " ، ولما رُفض طلب قريظة بإعطائها رهائن من قريش وغطفان قالوا :"لقد صدق نُعيم....! تفرقت قلوب الأحزاب وزالت الثقة بينهم . وعاد الأحزاب إلى مواطنهم دون أن يحققوا أهدافهم في القضاء على المسلمين ،لقد كانت للإشاعات التي يبثها نُعيم بن مسعود لغرض تفريق كلمة الأحزاب , أثر حاسم في معنويات قريش وحلفائها من القبائل العربية وبني قريظة ، والحروب الحديثة , تعتمد على بث الإشاعات  الكثيرة لتصديع الصفوف وبلبلة الأفكار.
وقسم بث الإشاعات من أهم شعب الاستخبارات العسكرية في تشكيلات الجيوش ومقراتها العليا .
والسؤال الآن : لولم يطبق الرسول القائد عليه أفصل الصلاة والسلام أسلوب ( الكتمان )الشديد ؟ ولولم يطبق نُعيم هذا الأسلوب ؟ فهل كان بإمكان نُعيم أن يقوم بهذا الدور الحاسم في تفرقة صفوف الأحزاب ونزع الثقة من نفوسهم؟؟!!
·   الكتمان بالأسلـــــــــــوب :
وفي غزوة بني ( لحيان ) الذين غدروا بدعاة المسلمين عند ماء( الرجيع) . أراد النبيr معاقبتهم على فعلهم .
كما علم النبيrبمحاولة قريش التجمع مع حلفائها لغزوا المسلمين . ففكر في الحركة إليهم ,للتأثير في معنويات قريش والقبائل الأخرى وللتعريض لبني لحيان الذين غدروا بدعاة المسلمين ، وأظهر النبيr أنه يريد الشام حتى يستطيع مباغتة النبي إليهم . وتحرك النبيrبقواته شمالا فلما اطمأن إلى انتشار خبر حركته شمالا باتجاه الشام كر راجعا باتجاه مكة المكرمة جنوبا مسرعا في حركته , حتى وصل إلى منازل بني لحيان ب (غران )ولكن بني لحيان فروا إلي رؤوس الجبال , واستطاعوا النجاة بأرواحهم وأموالهم,لقد كتم النبيr اتجاه حركته فسار شمالا ثم عاد جنوبا , فكانت هذه الغزوة انتصارا معنويا للمسلمين على بني لحيان , والنصر المعنوي لا يقل أهمية عن النصر المادي.
ـــ وفي غزوة خيبر التي كانت في المحرم من السنة السابعة للهجرة .كان يهود خيبر قد حالفوا : غطفان على أن تعاون غطفان يهود خيبر إذا داهمهم الخطر من المسلمين . ولكي يحول النبيr بين تعاون غطفان ويهود خيبر في حرب المسلمين . وتحرك بأصحابه إلى واضع ( الرجيع) من أرض غطفان , وبهذه الحركة استطاع النبيr, إيهام غطفان بأن المسلمين يريدونهم , وأن قوات المسلمين توشك أن تطوقهم وتقضي عليهم . وعاد النبيr إلى خيبر ولكنه بعث بمفرزة من أصحابه لمباغتة ديار غطفان بعد أن تركتها قوات غطفان لمعاونة يهود خيبر ، ونجحت هذه المفرزة في إلقاء الرعب في ديار غطفان مما اضطر هذه القبيلة إلى الإسراع بالعودة إلي ديارها لحمايتها من تهديد المسلمين , وتركت يهود خيبر وحدها أمام المسلمين، وهكذا نجحت خطة النبي r في عزل يهود خيبر عن غطفان حلفائهم ، ولعل أهم عامل من عوامل انتصار المسلمين على يهود خيبر في هذه الغزوة (الكتمان) الذي جعل غطفان يظنون النبي r يريدهم في غزوته .
·     دروس من غـــزوة الفتــــح :
في غزوة فتح مكة المكرمة التي كانت في رمضان من السنة الثامنة للهجرة , بلغ النبيr في تطبيق عامل الكتمان حد الروعة حتى ليمكن اعتبار هذه الغزوة مثالا من أعظم أمثلة التاريخ العسكري في تطبيق الكتمان إلي أبعد الحدود .
أمر النبيr الصحابة استعدادهم للحركة , وبعث إلي القبائل المسلة من يخبرها بإنجاز استعداده للحركة أيضا ، كما أمر أهله أن يجهزوه ولكنه لم يخبر أحد من المسلمين في الداخل أو الخارج بنياته وأهدافه من الحركة واتجاهها .بل أخفى نياته وأهدافه واتجاه حركته حتى أقرب المقربين إليه , ثم أرسل سرية أبي قتادة الأنصاري إلى بطن (أضم) ليزيد من إسدال الستار الكثيف على نياته وأهدافه الحقيقة ، دخل أبو بكر الصديق إلي بيت ابنته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي تُهيئ جهاز النبيr فقال لها :" أي بنية ! أأمركم رسول اللهrأن تجهزوه ؟" قالت :نعم ,فتجهز " قال :" فأين ترينه يريد ؟!" قال :لا أدري !!!.
ــ وعندما اقترب وعد الحركة صرح الرسولrبأنه سائر إلي مكة ولكنه بث عيونه وأرصاده ليحول دون وصول أخبار اتجاه حركته إلي قريش .بعث حاطب بن أبي بلتعة رسالة أعطاها امرأة متوجهة إلي مكة المكرمة , وأخبرهم في تلك الرسالة بنيات المسلمين من التوجه إلي فتح مكة المكرمة .علم النبيr بهذه الرسالة , فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ليدركا تلك المرأة التي تحمل تلك الرسالة فأدركاها وأخذا الرسالة منها ، ودعاء رسول اللهrحاطبا يسأله ما حمله على ذلك ؟؟
قال حاطب:" يا رسول الله  ! أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله , ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرءا ليس له في قومه من أهل ولا عشيرة , وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل وعشيرة , فصانعتهم عليهم .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله دعني اضرب عنقه, فإنه قد نافق ".قال النبيr: أما والله أنه قد صدقك ,وما يدريك ؟ لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال : اعلموا ما شئتم ". لقد شفع لحاطب ماضيه الحافل بالجهاد ,فعفا عنه النبيr وأمر المسلمين أن يذكروه بأفضل ما فيه ، ذلك هو مبلغ يقظة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام وحذره , حرصا على عدم تسرب المعلومات عن المشركين إلي المشركين  , تطبيقا عمليا للكتمان الشديد.
_ لقد حرص النبيrأشد الحرص , على إلا يكشف نياته , عندما اعتزم الحركة لفتح مكة المكرمة وكان سبيله إلي ذلك الكتمان الشديد .لم يبح النبي r بنياته لأقرب أصحابه إلي نفسه أبي بكر الصديق , بل لم يبح بنياته إلي أحب نسائه إليه وأقربهن إلي نفسه عائشة . وبقيت نيته سرا مكتوما حتى أنجز هو وأنجز أصحابه جميع استعدادات الحركة , وأرسلالانصاري إلي القبائل الساكنة خارج المدنية المنورة لإنجاز الاستحضار ولكنه أباح بنيته في الحركة إلي مكة المكرمة قُبيل خروجه من المدينة المنورة , حيث لم يبقى هناك أي مبرر للكتمان , لأن الحركة أصبحت وشيكة الانطلاق .
, ولأن الوقت اللازم لوصول المعلومات اللازمة عن الحركة إلي مكة لم يكون متيسرا .ومع ذلك فإنه بث عيونه وأرصاده ودورياته , لتحول دون تسرب المعلومات عن حركنه لقريش وقد رأيت كيف اطلع على إرسال حاطب بن أبي بلتعة برسالة إلي مكة المكرمة , فاستطاع أن يحجز تلك الرسالة قبل أن تصل إلي مثابتها .وبعث دوريات استطلاعية داخل المدنية المنورة وخارجها , ليمنع قريشا من الحصول على المعلومات عن نيات المسلمين , وليحرم المنافقين الموالين لقريش من إرسال تلك المعلومات إليها . بقي الرسولr يقظا كل اليقظة حتى وصل إلي ضواحي مكة المكرمة فنجح أعظم النجاح .
وقد وصل جيش المسلمين :مر الظهران ". على مسافة أربعة فراسخ من مكة المكرمة , فعسكر هناك .وأمر النبيr أن يُوقد كل مسلم في جيشه نارا حتى ترى قريش ضخامة جيش المسلمين دون أن تعرف هويته ,فيؤثر ذلك في معنوياتها وتستسلم للمسلمين دون قتال وبذلك يؤمن النبيr خطته العسكرية في دخول مكة المكرمة دون إراقة الدماء .وأسرع أبو سفيان بن حرب وبُديل بن ورقاء الخزاعي  وحكيم بن حزام بالخروج من مكة المكرمة متجهين نحو مصدر تلك النيران , فلما اقتربوا من موضع عسكر المسلمين قال أبو سفيان لصاحبه بُديل :"ما رأيت كالليلة نيرانا ولا عسكرا ". رد بُديل قائلا :" هذه والله خزاعة حمشتها الحرب ، فلم يقتنع أبو سفيان برد بديل قال : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها  ، والفضل في ذلك للكتمان الشديد الذي كان الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام لا يتخلى عنه طرفة عين في القضايا العسكرية .
ــ وكما كتم النبي r نياته في غزو (مكة ) موعد حركته من المدينة المنورة إلي مكة المكرمة . وكذلك عدد قواته الزاحفة لفتح مكة المكرمة.
·     عوامــــل أخـــرى من الكتمـــان :
ــ وهذا جانب من جوانب  الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام أن حياته مليئة بالعبر والعظات والدروس والحكم ، فكان له في المدينة عيون وأرصاد , يطلعونه على  كل صغيرة وكبيرة تضر بالمصلحة العامة في السلم والحرب على حد سواء .
كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سر رسول الله في المنافقين لا يعلمهم أحد غيره . لم يكن حذيفة وحده يؤدي هذا الواجب بل كان واجب كل مسلم أن يؤدي واجبه في مراقبة المشبوهين والمنحرفين والمنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين .
ــ وكما كان له عيون للرصد خارج المدنية المنورة  كان له في مكة المكرمة ,وفي القبائل العربية المعادية للإسلام في بلاد فارس والروم ,ذلك ما يفسر لنا أسباب انتصاره على أعدائه الكثيرين . وذلك لأنه كان يطلع على نيات العدو قبل وقت مبكر .

كيف نكتم الأســـرار ؟؟
الجواب : إن من الواجب من يعرف للكتمان مزينة ,أن يبادر إلى إسكات كل من يمس الأسرار العسكرية من بعيد أو قريب
ـ كما يجب أن يبقى أفراد الجيش وضباطه على أرفع درجات ( الكتمان).
ـ يجب أن يكون شعار كل  فرد من العرب .. والمسلمين .. لا أسمع .. لا أرى ... لا أتكلم .
·       الخاتمــــــــــــــــــة  :
إذا كان ( الكتمان ) وأحبا في الأمم , يلزم به كل فرد من الأفراد ,فإن ( الكتمان ) في الإسلام دين يلتزم به كل مسلم صحيح الإيمان . والمسلم الحق الكتوم ,لأنه يعمل بقول النبيr:" قل خيرا أو اسكت .
فإذا كان الكتمان في الحروب القديمة ضروري فإنه في الحروب الحديثة أكثر ضرورة , نظرا لاختراع أجهزة التنصت والوسائل العلمية المذهلة لجمع المعلومات ،كالأجهزة اللاسلكية تنقل المعلومات إلي العدو بسرعة خاطفة ,وهناك طائرات تجسس تطير من غير طيار , وهناك غواصات تجسس تسير بالطاقة الذرية ,وهناك أجهزة إصغاء تنقل الهمس  داخل الجدران إلي العدو بسهولة ويسر ، ولذا يجب علينا أن نتعلم ( الكتمان )ونلقنه أولادنا ونساءنا ,حتى يصبح طبيعة في نفوسنا, فذلك وحده يفوت على العدو أهدافه التجسسية .
فحرام علينا أن نلهو بالأسرار العسكرية فنتيح للعدو فرصة اقتناصها والعبث بمصائرنا  .

والحمد لله أتم الحمد ,وصلى الله على سيدي ومولاي رسول اللهrوعلى آله وأصحابه أجمعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق