الأحد، 17 أبريل 2016

أركان الإيمان (قراءة جهادية)

 أركان الإيمان ( قراءة جهادية )
إن المستبصر في آيات الجهاد والقتال في سبيل الله يجد بوضوح أنها تبدأ ترتبط دوما بنداء أو صفة الإيمان : ( يا أيها الذين آمنوا ...)  ( الذين آمنوا )  ( ... من المؤمنين ...)  ، دلالةَ وتأكيداَ على أهمية عامل الإيمان وعنصر التصديق والاعتقاد الجازم الحاسم في معركة الجهاد والقتال في سبيل الله ضد الكفرة والطغاة والبغاة والمعتدين من الانقلابيين وغيرهم .
لذا كان لزاما أن يتم الاهتمام بالجانب الإيماني في مجال الإعداد المعنوي للمقاتلين في سبيل الله وتكوين الأساس الاعتقادي في بنية العقلية والنفسية القتالية للمجاهدين ، فالعقيدة والعقلية والقلبية هي التي تحرك السواعد والجوارح والأبدان للفعل والسلوك ، وإذا أردنا حركة ثابتة من المقاتلين وان ابتغينا سلوكا ملتزما منضبطا شجاعا  فلابد من بناء الإيمان  والاعتقاد وتشييد العلاقة الربانية بين المقاتل وربه الناصر المعين ، وسوف يتم تناول هذا الجانب من خلال :
1-        توضيح أركان الإيمان تعريفا ومفهوما.
2-        بيان المقتضيات الجهادية لهذه الأركان وآثار الإيمان بها على المجاهد وبيئة القتال.
أولا : الإيمان بالله :
التعريف والمفهوم :التصديق والاعتقاد الجازم بان الله موجود وقائم لوحده بكل شي وفاعل لكل شي بيده مقاليد الأمور ، يتصف لوحده بكل صفات الجلال والجمال والكمال والقدرة ، مستحق لوحده لكل العبادات والقربات ، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
المقتضيات الجهادية : للإيمان بالله تعالى اليقين القلبي والثقة وآثارها بما يلي :
1- الله هو الحق وليس بعد الحق إلا الضلال ، يقول تعالى  :( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )  يونس :32 .
2- شرع الله هو الحق وما يخالفه هو الباطل ، يقول تعالى  :( وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) هود 120 .
3- الله هو الخالق الرازق النافع الضار المحيي المميت المعطي المانع  القدير الناصر القهار الجبار بيده ملكوت ومقاليد خزائن كل شيء ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه , وما ننزله إلا بقدر معلوم) الحجر 21.
4- الله هو العليم الحكيم الخبير الرحمن الرحيم فهو لا يقدِّر إلا الخير والهدى ولا يأمر إلا بما فيه مصلحه البلاد والعباد ، ولا يختار إلا ما يكون نافعا  راشدا  ، والسراء والضراء والعطاء والمنع والأمن والخوف والنصر والهزيمة كلها من أقداره واختياره وهي تحمل للمؤمنين الخير كل الخير وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة : 216.
من سنن الله وأقداره وجود متناقضات الخير والشر والحق والباطل والإيمان والكفر والنفاق , والظالم والمظلوم والباغي والمعتدى والمعتدى عليه ، وهي سنة لا تتخلف ولا تتبدل ، يبلوا الله تعالى بها عباده ليعلم أعمالهم ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) الأحزاب62.
الحرب والتدافع بين الحق والباطل ، والصراع بين والخير والشر سنة الله : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة :251 .
( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ , الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج : 40.
وهي حرب طرفها الأول : الله جل جلاله بقوته وملكوته وجبروته وقدرته وقهره ومعه الأنبياء والمرسلون والصديقون والصالحون والمؤمنون ، وطرفها الآخر الشيطان وأبالسة الجن والإنس والكفار والمنافقون والطغاة والجبارون وجنودهم .
قال تعالى : ( ويمكرون ويمكر الله , والله خير الماكرين ) وقال تعالى:  (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا)  وقال تعالى : ( ذالك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) فالحرب في أصلها بين المنحرفين والضالين والمعتدين والمشاقين والمحادين والانقلابيين ، وبين الله جل جلاله ويأتي دور أولياء الله وعباده المجاهدين ليكونوا أدوات للقدرة الإلهية يكتب الله لهم شرف التنكيل والتعذيب بالفاسقين إذ هم استحقوا لذالك بأفعالهم : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ , وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة 15 .
5- الله تعالى قادر في غمضة عين واقل ، قادر في كلمة كن واقل من ذلك أن يمحق الكافرين المعتدين ، وان  ينتقم منهم ويحقق النصر المؤمنين والتأييد المظلومين ، غير أن الله تعالى أراد أن يكون التدافع والصراع والمعركة  ابتلاء واختبار وسببا في استحقاق رضوانه وكرامته وجنته .
قال تعالى :  ( ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم  ببعض ) وقال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم.....)
6- لله تعالى مواقيت وكيفيات سننيه في أقداره ، فهو تعالى العليم الحكيم الذي يختار الميعاد والزمان والمكان والهيئة لإنزال نصره وتقدير تأييده  تعالى ، وما على العباد المؤمنين إلا الثقة في ربهم والتسليم لأمره والتفويض والرضا بأقداره وأن يفروا من طبعهم العجلة : ( وكان الإنسان عجولا )  (خلق الإنسان من عجل) إلى إيمانهم الواثق بان لكل اجل كتاب  قال تعالى:  ( لكل نبا مستقر وسوف تعلمون ) وقال تعالى : ( ألا إن نصر الله قريب ) وعلى المجاهدين المؤمنين أن يستمعوا إلى نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو يقول لخباب ابن الأرت الذي كان يعاني هو وأصحابه اشد المعاناة من العذاب والتنكيل وبعد أن  بشرهم بالفتح والتمكين وانه حاصل وحادث لا ريب فيه ،  قال لهم : (.. ولكنكم قوم تستعجلون ) .
7- إن لله تعالى جنودا , كما قال سبحانه : ( ولله جنود السموات والأرض ) وهو يوحي إليها ويأمرها  بتقديم العون والدعم لجنوده المجاهدين المؤمنين في كل زمان ومكان وفي كل معارك الشرف والحق ، ومن ذلك جنود الملائكة  قال تعالى : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ..) وجنود المطر والنعاس وجنود الرعب , قال تعالى : ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ونصرت بالرعب مسيرة شهر) .
8- إيمان المجاهد المقاتل في سبيل الله  بربه وثقته في الحق الذي انزله تعالى والذي يقاتل في سبيل إحقاقه ونصرته يجعله يثق ويأمل في نصر الله الذي وعد به ، لذا فهو متفائل على الدوام وينظر بعين الأمل إلى تحقق موعود الله الذي لا يخلف الميعاد : ( ومن اصدق من الله قيلا ومن اصدق من الله حديثا ) ، ( إن الله لا يخلف الميعاد ) لذا فهو لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله وتأييده ولا يجعل واقع كثرة الأعداء وقله العدة والعتاد ، وتكالب الماكرين وقله المناصرين ، لا يجعله كل ذلك يظن ظن السوء في وعد الله وظهور دينه : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور :55.  ( يرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ , هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )التوبة 33.                                                                                ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ , هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) الصف : 9 .
9- حينما يتعلق المجاهد المقاتل في سبيل الله بربه وما عنده من الخير والخزائن والملكوت ، فانه لا يأبه كثيرا بزينة الدنيا وزخارفها  ولا يحزنه الحزن وقلة ذات اليد أو ضعف المردود :  قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْ ِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )   الجمعة :11.    ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الشورى : 36.    وفي غزوة حنين خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار : ( ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير ، وترجعون برسول الله )  فأجابوا : ( رضينا رضينا ).
10-  تعظيم المقاتل لربه تعالى وترديده عبارة ( الله اكبر ) . يجعله يعظم شعائر الله وشرع الله ،  ويعظم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويحترمه ويتعامل معه بإجلال ومع كل ما يمت إلى شرعه بصلة ، ابتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والسلف الصالح والعلماء والدعاة والعاملين لهذا الدين ، وبالمقابل يستصغر كل من وما يكون مشاقا لله ولرسوله ولدينه ومن يستغل كل الجهد والإمكانات التي يتم حشدها لمحاربة شرع الله والاعتداء على أوليائه ، لأنها لا تساوي شيئا أمام قدرة الله وقوته ونصره الذي لا يغلب ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ).
11-  حب المجاهد المقاتل لله تعالى ، يعني أن يحب صفات الله وأفعاله ، وأن يحب شرعه ودينه وكتابه ورسله وملائكته ،  وأن يحب نبيه محمدا وآله وصحب وأتباع والحاملين رايته ودعوته والمجاهدين في سبيل نصرة ملته ، وأن يحب أماكن إقامة شعائر الله ومنها أربطة الجهاد ومدافعة أعداء الله كما قال خالد بن الوليد رضي الله عنه : ( ليلة شاتية مظلمة أصبح فيها العدو خير من ليلة تهدى إليها فيها عروس أحبها ) ، وأن يحب كل قول وعمل وموقف يتوافق مع شرع الله ويرضي الله ويؤكد محبته ، ويبادر ذلك بنفسه وماله وما أنعم الله  به عليه , وأن يغار ويغضب تجاه أي ممارسة أو قول وسلوك تستهدف كل ذلك باللمز والاستهزاء أو الانتقاص والتشكيك والاتهام أو الحرب والاعتداء ، وأن يتبرأ ويعادي ويجاهد ويقاتل كل من يقوم بذلك ويتعدى حدود الله وينتهك المحرمات والمقدسات كائن من  كان .
12-  الإيمان بوجود الله وعلمه الذي يحصي كل شيء ويعلم كل شيء مما أسر أو أعلن وخفي وظهر ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) الأنعام : 59.
وهو تعالى سميع للأصوات عليم بصير بالأعمال والأحوال والنوايا ، هذا الإيمان يجعل المجاهد المقاتل يراقب الله تعالى في خلواته وجلواته ، في سره وعلانيته : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) الأنعام : 59.  حيثما يكون فالله معه رقيبا حسيبا ، لذا فهو يتقيه ويخافه ويستحي منه ، وفي الصحيح : ( اتق الله حيثما كنت ...). فإذا غابت رقابة القيادة أو رفاق السلاح فلا تغيب رقابة الله  واطلاعه ، لذا لا يأتي في الخلوات وفي السر ما يغضب الله ويتنافى مع شرعه , فلا ينزغنه الشيطان أو رفقاء السوء لإظهار مالا يبطن ، ومد يد السوء إلى الغنائم أو العهد أو الممتلكات العامة أو الخاصة ، ويكون على الدوام صادق القول والفعل والأحوال.
13-  إيمان العبد المجاهد المقاتل بأن الله هو الغني وأن بيده ملكوت السموات والأرض وخزائن كل شيء ، وأن ما عند الناس يفنى وما عند الله باق ، وأن يد الله سحاء لا تغيض ، تفيض بالخير والعطاء على كل خلقه ، هذا الإيمان يجعله لا يسأل إلا الله ولا يرجو إلا الله وفضله وكرمه ، ولا يتعلق إلا بما في يديه من خير الدنيا والآخرة ، يجعله يعتقد أن ما وصله من خير ومصلحة ونفع وعطاء فهو من الله وخلقه سبب لها فقط ، كما يوقن أن ما منعه من زينة الدنيا ومتاعها فليس فقرا من الله أو بخلا ، وإنما هو قدر الله واختياره وفيه الأفضل له دنيا وآخرة .
14-     اعتقاد المجاهد المقاتل بأن الله حكيم عليم لطيف خبير رحمن رحيم ، يجعله يفوض أمره كله لله ، ويسلِّم لأقدار الله خيرها وشرها ، لأنه يؤمن أن الله لا يقدر له إلا الخير ولا يريد له إلا المصلحة إما دنيوية حاضرة وآجلة أو أخروية آجلة ، ويعلم المجاهد المقاتل أن التسخط من أقدار الله لا ينفع حالا ولا مآلا ولا تزيد العبد إلا ألما وتعبا وحزنا ، وفي الصحيح : ( فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) . ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ , لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتكم وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ , الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) الحديد (24).


الإيمان بالملائكة( قراءة جهادية )
الإيمان بالملائكة : معناه ومفهومه : التصديق والاعتقاد الجازم بأن الله خلق خلقا من نور أنشأهم لطاعته وتنفيذ أوامره فيما يتعلق بالكون والإنسان ، فهم يفعلون ذلك دون معصية ولا كلل أو ملل ، ولا يعلم هيئتهم وعددهم إلا الله .
مقتضيات وآثار الإيمان بالملائكة للمجاهد المقاتل :
-       استقلال طاعته وجهاده مهما طال وكثر، وعدم المن على الله ، عندما يقارنه بعمل الملائكة ، وعندئذ يقدم المزيد ولا يتوقف أو يغتر .
-       اتخاذهم قدوة له في العبادة والقربات والاستجابة لأمر الله .
-       الشعور بالقوة والأمان والأُنس ، وهو يستحضر معيتهم وعونهم وتثبيتهم ، فلا يجبن ولا ينهزم ولا يفر : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ , وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ , إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ , إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ , ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ , ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ , يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ , وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)الأنفال:16.
-       يدعو الله طالبا مددهم ونصرتهم ، وواثقا كونهم جنودا لله ينصر بهم عباده وأولياءه .
-       الحياء منهم بعد الله ، والحرص على ضمان شهادتهم له بالخير ، فهم من شهداء الله الذين يشهدون للعبد أو عليه مما يجعل العبد حريصا على أن تكون الشهادة مرضية.
-       الشعور بالامتنان لله على تسخيرهم لما فيه حفظه والعناية به : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) الرعد : 11 .
-       تعظيم الله تعالى والعمل على تقديره حق قدره ما استطاع ، وهو يطلع على بعض خلقه العظيم من الملائكة وقدرتها وجلالة أفعالها ، وشعوره بقوة الله وقدرته وغلبته من خلال قدرة بعض خلقه ( جبريل وما فعله مع قوم لوط ، وغيره ) .
-       شكر الله والامتنان له تعالى على فضله وتسخيره ، والتواضع بالعمل والجهاد والتضحية مقابل مننه ونعمه .
-       الحذر من ارتكاب المعاصي في أمكنة الرباط والقتال وغيرها ، التي تسجلها الملائكة وتشهد عليها ، أو تبعدها.
-       الخوف من الله ، من خلال استحضار صفات وفعل ملائكة العذاب .
-       الحرص على الشهادة في سبيل الله ، وحسن الخاتمة كي تتولى ملائكة الرحمة قبض روحه وتبشيره .
الإيمان بالكتب( قراءة جهادية )

الإيمان بالكتب : مفهومه ومعناه : الاعتقاد والتصديق الجازم  بأن الله تعالى قد أنزل البينات والكتب على رسله المختارين ، ليُعرِّف عباده بذاته وتوحيده ، ويرشدهم طريق السداد في العبادة والأخلاق والمعاملات ، وأن هذه الكتب وخصوصا القرآن قد تضمنت الحق الإلهي فيما نزلت به ، غير أنه لم يبق محفوظا من التحريف سوى القرآن الذي تكفل الله بحفظه ، ويظل القرآن المعجزة الخالدة أشملها ومهيمنا وحاكما عليها .

مقتضيات وآثار الإيمان بالقرآن :
-       الحرص على تعلم القرآن تلاوة وتدبرا وفهما وعملا وتعليما ودعوة ، باعتبارها حقوقا للقرآن الكريم ووقاية من هجره .
-       فهم السنن الواردة في القرآن وخاصة ما يتعلق بالصراع بين الحق والباطل وسبيل المجرمين وقصص الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم ودعوتهم ، والاستفادة منها في التعامل مع الواقع والأزمات والحروب .
-       حماية القرآن والدفاع عنه من كل المتربصين الذين يرفعون شعار : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ).
-       الاستشهاد بالقرآن في الحديث والعمل والمواقف ، ومجادلة أهل الباطل والرد عليهم ، واستخلاص قوانين النصر والهزيمة ، وحياة الجندية .
-       اعتماد المبادئ الواردة في القرآن كمنهاج حياة وسلوك ، ومن ذلك مبادئ المتعلقة بالحياة والموت والرزق والنفع والضر ، قال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ...) ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) ( والعاقبة للمتقين )
-       الشعور بالفضل والعرفان نحو الله ورحمته بعباده ، وأنه لم يتركهم سدى ولا عبثا ولا حيارى ، وإنما هداهم وأرشدهم .
-       تعظيم الله من خلال صفة العلم وغيرها ، فالقرآن من علمه الذي لا يحده زمان ولا مكان ، والإعجاز العلمي والبلاغي وغيره بين طرفا من هذا .
-       الاستجابة والتفاعل مع كل نصوص التحريض وآيات الجهاد والقتال .
-       الثقة بكل ما ورد فيه من أوامر ونواهي ووعد ووعيد في كل المجالات عموما ، وفي مجال الجهاد والقتال وأحكامها خصوصا .
-       الإيمان بان السنة جاءت مفسرة ومبينة لما في القرآن فهي الحكمة التي يقتضي إسلام المرء وإيمانه العمل بها ومعرفة القرآن من خلالها .

الإيمان بالرسل ( قراءة جهادية )
إن المؤمن المجاهد يعلم أن الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسولا منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن الرسل كلهم صادقون مصدّقون ، أتقياء أمناء ، هداة مهتدون ، وأنهم بلّغوا جميع ما أرسلهم الله به ، فلم يكتموا ولم يغيّروا ، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفا ولم ينقصوه ، كما قال سبحانه { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } النحل : 35.    وأن جميع الأنبياء كلهم كانوا على الحق المبين ، واتفقت دعوتهم على عقيدة التوحيد ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النحل : 36 . وقد تختلف شرائع الأنبياء في الفروع من الحلال والحرام ، كما قال الله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } المائدة : 48.
v    والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بأن رسالتهم حقّ من الله تعالى ، فمن كفر برسالةِ واحد منهم فقد كفر بالجميع.
الثاني : الإيمان بكل من سمى الله من الأنبياء ، مثل : محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام ، وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالا.
الثالث : تصديق ما صح من أخبار الرسل.
الرابع : العمل بشريعة الرسول الذي أرسل إلينا وهو أفضلهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم .
v    ثمرات الإيمان بالرسل
ومعرفة الأنبياء والرسل ، والإيمان بهم ، له ثمرات منها :
ü     معرفة كمال رحمة الله بعباده ، وعنايته بهم ، حيث أرسل إليهم الرسل يأمرونهم بعبادة الله وحده ، ويبينون لهم كيف يعبدونه .
ü     حمد الله وشكره على هذه النعمة .
ü     محبة الرسل ، وتصديقهم ، والثناء عليهم من غير إطراء , لأنهم رسل الله آمنوا بالله ، وقاموا بعبادته ، وإبلاغ رسالته ، والنصح لعباده , وجاهدوا في ذلك .
قال الله تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } الجمعة : 2. وقال الله تعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } التوبة : 128 . وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين » متفق عليه . والإيمان بالأنبياء والرسل ليس فقط اعتقاداً بالقلب ، بل هو مع ذلك عمل إيجابي في تنفيذ جميع ما جاءوا به ، وفيما وقفوا حياتهم كلها من أجله ، وهو إبلاغ رسالة الله إلى عباده.
فما أعظم فضل الرب على الناس ... وما أعظم رحمته بهم ... وما أعظم عنايته بهم.. وتودده إليهم. يرسل إليهم رسولاً بعد رسول ، ويهديهم بكتاب بعد كتاب ، حتى أكمل الله الدين ، وبعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين .
إن مصائر البشرية كلها في الدنيا والآخرة منوطة بالرسل ، وبأتباعهم من بعدهم ، وهي أمانة عظيمة ثقيلة جسيمة كبيرة ، إنها أمانة إبلاغ رسالة الله إلى خلقه ، والتي عليها مدار سعادتهم وشقاوتهم في الدنيا والآخرة . ولهذا قام بها الأنبياء والرسل على أكمل وجه ، وبذلوا كل ما يملكون من أجل وصول الحق إلى الخلق ، والله يعينهم ويحفظهم وينصرهم ، لمحبته لعباده ، ورحمته لهم ، وشدة عنايته بهم . فكم بذلوا من الأوقات والأموال والأنفس في سبيل إبلاغ دين الله إلى الناس..؟،وكم تركوا من الديار والأهل والأموال والشهوات من أجل أن يكون الدين كله لله...؟، وكم تعرضوا للسب والشتم والقتل وهم يبلغون رسالات الله..؟، وكم صبروا على الأذى والظلم ، والافتراء والتكذيب ، والاستهزاء والسخرية من أقوامهم..؟، وكم وقفوا بين يدي ربهم ركعاً وسجداً وبكيًّا..؟ ، وكم من البشرية هداهم الله على أيديهم..؟، وكم جاهدوا في سبيل الله وضحوا في نصرة دين الله , وجاهدوا في الله حق جهاده. فنالوا رضوان ربهم.. وبلغوا رسالات الله .. وفازوا بأعلى الجنان.
ثم مضى هؤلاء الأنبياء والرسل من أول الرسل نوح عليه السلام ، إلى خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وبقي هذا الواجب العظيم الثقيل على من بعد محمد صلى الله عليه وسلم من المؤمنين برسالته . ولا فكاك أبداً من هذه التبعة الثقيلة إلا بإبلاغ رسالة الله على ذات المنهج الذي بلَّغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين للناس كافة . قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}المائدة :3. وقال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } يونس : 108 . وقال تعالى: { هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } إبراهيم:52 .
§        ومن مقتضيات الإيمان بالرسل الإيمان بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمر , واجتناب ما نهى عنه وزجر , وتصديقه فيما أخبر , واتباع سبيله في الدعوة الى الله تعالى والسير على هديه , قال الله تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } يوسف : 108
§        ومن مقتضيات الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم , حب زوجاته أمهات المؤمنين والترضي عليهن ومعرفة مكانتهن , وحب الصحابة الكرام ، ومعرفة قدرهم ومكانتهم واحترامهم . ووجوب توليهم والسير على طريقهم , قال تعالى : ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ المائدة : 56 . يقول ابن كثير : "فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والأخرة .
§        واتباعهم بإحسان هو سبيل الجنة ورضى الله سبحانه , قال تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضو عنه } التوبة : ١٠٠ .
ü     ومن ثمار محبتهم في الآخرة ما يُرجى لمُحبّهم من الحشر معهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فقال : يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « المرء مع من أحب » .
فحب الصحابة الكرام وإخلاص المحبة لهم يجعل المحب لهم يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم ، ففي هذا الحديث الحث على محبة الصالحين والأخيار فهي من أسباب الخلاص من النار .
ü     ومن ثمار محبة الصحابة الكرام أن المحب لهم يخلع عن نفسه صفة من صفات أهل النفاق , فمن صفات أهل النفاق بغض الصحابة الكرام فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار » .
وما ذاك إلا لسابقتهم ومجاهدتهم أعداء الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفضائل الصحابة الكرام كثيرة نعرفها من خلال تدبر أحوالهم وسيرهم وآثارهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته من المسابقة إلى الإيمان والمجاهدة للكفار ونشر الدين وإظهار شعائر الإسلام وإعلاء كلمة الله , وتعليم فرائضه وسننه ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنن سنة ولا فرضا ولا علمنا من الأحاديث والأخبار شيئاً وكل هذا يوجب على المؤمن محبتهم والرضا عنهم . فالصحابة الكرام كانوا يتقربون إلى الله - عز وجل -  بمحبة أبي بكر وعمر ويعدون ذلك من أفضل أعمالهم فقد روى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - : "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال متى الساعة ؟ قال : « وماذا أعددت لها ؟ » قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « أنت مع من أحببت » . قال أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت . قال أنس : فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم ".
والحوثيون البغاة قد أساءوا لهذا الركن من أركان الإيمان فأنكروا السنة المطهرة والأحاديث الشريفة وقدسوا أقوال زعمائهم وقدموها على أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم , بل ويستهزئون بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته , وطعنوا في زوجاته أمهات المؤمنين  اللاتي أختارهن الله له من فوق سبع سموات فهن زوجاته في الدنيا والأخرى , واتهموه في عرضه , وكذبوا بما جاء في القرآن من تبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ,وسبوا صحابة رسول الله الذين أختارهم الله واصطفاهم لصحبته , ووقعوا في إعراضهم , فهؤلاء البغاة قد أخلوا بركن الإيمان بالرسل .
الإيمان باليوم الآخـر ( قراءة جهادية )
إن الإيمان باليوم الأخر هو الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد البعث , فهو إيمان بالأمور الغيبية التي تكون في يوم القيامة ، والله عز وجل قد علق حصول التقوى والفلاح للمجاهد في الدنيا والآخرة بالإيمان بما ذكره الله  سبحانه وتعالى من الأمور الغيبية , قال سبحانه : ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ البقرة : 1- 5 .
واليوم الأخر هو من جملة الأمور الغيبية التي أخبر بها سبحانه ، والتي يجب على المجاهد الإيمان به ، فالإيمان به يورث المسلم ثمار عظيمة يجدها في الحياة الدنيا.
v    ثمار الإيمان باليوم الآخر
للإيمان باليوم الآخر ثمار كثيرة منها ما يلي :
1)    الحرص على الأعمال الصالحة والزيادة منها : فالإيمان باليوم الآخر واليقين به يزيد المجاهد حرصاً على الأعمال الصالحة والزيادة منها ، والابتعاد عن الأعمال السيئة فيستعد لهذا اليوم بما يحبه الله سبحانه وتعالى, قال تعالى : ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ النازعات: 37-41.
يقول ابن جرير: قوله تعالى: ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ يقول : وآثر متاع الدنيا على كرامة الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه فعمل للدنيا وسعى لها وترك العمل للآخرة ، ويقول: وأما من خاف مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه : ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله ولا يرضاه منها فزجرها عن ذلك وخالف هواها إلى ما أمره به ربه فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة.
فالمجاهد يحرص على طاعة الله رغبة في ثواب ذلك اليوم ، ويبتعد عن المعاصي خوفا من عقاب ذلك اليوم .
2)    تسلية المجاهد: ففي اليوم الآخر تسلية للمجاهد عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها , ويعلم أن عمله لا يضيع بل سيجزى به بدار النعيم المقيم , قال سبحانه : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ الكهف:30.
3)    المحاسبة للنفس: فمن ثمار الإيمان باليوم الآخر أن يحاسب المجاهد نفسه, لأنه يعلم أين مصيره بعد موته ، ويعلم أنه سيلقى جزاء عمله، إن خيرا فخيراً وإن شرا فشراً ، وأنه سيوقف للمحاسبة ، وسيقتص له ممن ظلمه، وتؤخذ حقوق العباد منه لمن ظلمهم أو اعتدى عليهم.
4)    إحياء المعاني والصفات الحميدة : فالإيمان باليوم الآخر يحيي في نفوس المجاهدين معاني الصبر والاحتساب ، والرضا ، والعفو والبذل في سبيل الله عز وجل ، فالمجاهد يعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان وليست دار للجزاء والنعيم ، فيعفو ويقبل الأعذار ، ويبذل وينفق في سبيل الله تعالى ، ويضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء ويسعى إلى الخير ويقاوم الشر والمعتدين والبغاة والانقلابيين ، لا يغش ولا يخدع ولا يسرق ولا يزني ... كل هذا لإيمانه باليوم الآخر.
5)    الزهد في الدنيا: ومن ثمرات اليقين باليوم الآخر الزهد في الدنيا , وعدم تعلق القلب بها فالمجاهد يعلم أنها دار متاع مؤقتة ، وأنها مرحلة من مراحل الحياة ، وليست هي كل الحياة ، فلا يكون همه متاع أو منصب أو مغنم أو فيد بل يوقن أن الآخرة خير وأبقى فيرغب في الباقية ويزهد عن الفانية.
6)    تحقيق الأمن والسلامة من الظلم : أن الإيمان بالله وباليوم الآخر يحقق للبشرية الأمن والسلام , في زمن عز فيه الأمن ، ولم تتوقف فيه الحروب من الحوثيين المجرمين وأعوانهم وما ذاك إلا لعدم فهمهم للإيمان بالله وباليوم الآخر ، لآن الإيمان بالله واليوم الأخر يردع الإنسان عن ظلم الآخرين وانتهاك حقوقهم ، فإذا آمن الناس باليوم الآخر سلموا من ظلم بعضهم لبعض وحفظت حقوقهم .
7)    كمال العدل الإلهي : فالمجاهد يستشعر كمال عدل الله تعالى حيث يجازي كلا بعمله مع رحمته بعباده ، قال تعالى : ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ الأنبياء : 47.
8)    راحة البال : فالإيمان باليوم الآخر هو إجابة لأهم الأسئلة من الذي خلقك ؟ ولماذا خلقت ؟ وإلى أين المصير بعد الموت ؟ فالمؤمن يجد الجواب على هذه الأسئلة ، فيعيش مطمئن البال ، أما الكافر الذي لا يجد الجواب عليها يعيش في حيرة عظيمة وقلق دائم .
والإيمان باليوم الآخر يدفع المجاهد للجهاد والرباط والصبر والثبات احتسابا للأجر من الله وطمعا في ثوابه وإيماناً بما أعد الله له في الأخرة  وهاك أيها المجاهد بعضاً مما جاء في شأن المجاهدين قال الله تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ﴾ الصف : 10 . 
وقوله تعالى : ﴿ هل أدلكم ﴾ أسلوب فيه تشويق وإثارة، حتى ينتبه المخاطب إلى ما سيلقى عليه . ﴿ تِجَارَةٍ ﴾ ليست تجارة الدرهم والدينار ، ولا الذهب والفضة ، ولا التجارة مع البشر ، ولكنها التجارة الرابحة مع الله سبحانه وتعالى . ﴿ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ يعني تنجي أهلها الرابحين فيها من عذاب النار يوم القيامة.
ثم بين – سبحانه وتعالى – بعض أرباح تلك التجارة فقال ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ ، فالشهيد يُغفر له كل ذنب مع أول قطرة دم تخرج منه ، إلا الدَّيْن . ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ أي تجري من تحت قصورها ، ومن تحت أشجارها أنهار الماء ، وأنهار اللبن ، وأنهار العسل ، وأنهار الخمر ، كما يشاء الله عز وجل .﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ أي في جنات الإقامة . ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ وهذه من المبشرات التي وعد الله بها المجاهدين ، فمن مات منهم في المعركة ، فهو شهيد في تلك الدرجات العلا ، ومن بقي منهم نصره الله عز وجل , وأفرح قلبه بهذا النصر المبين . ﴿ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ تتسع به ديار المسلمين ، وتزداد به أرزاقهم .
فانظر أيها المجاهد في سبيل الله إلى ما أعد الله للمجاهدين ، واعلم أنه كلما كانت الدرجة أعلى كلما كان النعيم أعظم ، والثواب أكمل .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قيل للنبي – صلى الله عليه وسلم – ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل ؟ قال : « لا تستطيعونه » . قال : فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا , كُلَّ ذلك يقول : « لا تستطيعونه » . وقال في الثالثة : « مثل المجاهد في سبيل الله كمَثَل الصائم القائم القانت بآيات الله ، لا يَفْتُر من صيام ، ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى » .
فانظر إلى حرص الصحابة – رضي الله عنهم – لما رأوا ما وعد الله عز وجل به المجاهدين من الدرجات العلا ، والنعيم المقيم طمعوا في أن يخبرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بعمل يدركون به درجة أولئك المجاهدين ، لكنه بين لهم أنهم لا يمكن أن يبلغوا ذلك .
ومعنى ذلك أن المجاهد في سبيل الله موعود بالجنة ، سواء انتصر وسلم ، أو قُتل في سبيل الله عز وجل . وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : « لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولَقَابُ قَوس أحدكم ، أو موضع قَدِّه – يعنى سوطه – في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحها ، ولأضاءت ما بينهما ، ولَنَصِيفُها على رأسها خير من الدنيا وما فيها » .
ولقاب قوس أحدكم : هذا الموضع الذي من الجنة الذي بمقدار السوط ، وما فيه من النعيم ، وما أعد الله فيه من الكرامة لا يعدله شيء ، ولو كانت الدنيا بأسرها ، من أولها إلى آخرها فانظر يا عبد الله إلى ما أعده الله – عز وجل – للمجاهدين في سبيله .
ومما ورد في فضل الجهاد في سبيل الله حديث مالك بن عبد الله الخثعمي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : « من اغْبَرَّت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار », قال ابن المنير : دل الحديث على أن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ، سواء باشر قتالا أم لا. وقد جاء في كتاب الله – عز وجل – وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كثير مما أعده الله – عز وجل – للشهداء في سبيله ، قال سبحانه وتعالى  : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ التوبة:111.
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى ﴾ جملة مؤكدة بإنَّ ، والمشتري هو الله عز وجل , اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ، وهي سلعة غالية ، هي أثمن وأغلى ما يملكونه .﴿ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ﴾ هذا هو الثمن ، بأن لهم الجنة التي عرضها السموات والأرض ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خَطَر على قلب بشر ، أعد الله فيها من النعيم المقيم الشيء الكثير ، وأعد فيها للمجاهدين في سبيله وللشهداء خاصة نعيما أعظم مما أعده لغيرهم , ﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ تنبيه وتأكيد على أن هذا الجهاد يجب أن يكون في سبيل الله خالصا لله ، لا يراد به رياء ولا سمعة ، ولا حظوظ الدنيا .﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقاًّ ﴾ أكد هذا الوعد ، والله – عز وجل – لا يخلف الميعاد .﴿ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾ وهي أعظم الكتب السماوية التي أنزلها الله – عز وجل – للناس  ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾  لا أحد  ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ فما أعظمها من تجارة ، وما أعظمه من ثمن .
وبين الله تعالى أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ ﴾ آل عمران : 169 . فالذي يتخلف عن الجهاد ، ويجبن عنه إنما يحمله في الغالب على ذلك الحرص على البقاء في هذه الحياة ، والتمتع بالمتع الدنيوية من عمر ومال وولد وأهل ونحو ذلك ، فلهذا يجبن عن القتال حتى لا تزهق نفسه فيفارق هذه اللذات الدنيوية العاجلة ، فالله – سبحانه وتعالى– يقتلع هذا الهاجس ، وهذا الوسواس من النفوس بهذه البشائر العظيمة التي بشر بها الشهداء في سبيله .
﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ انظر إلى هذا الجوار العظيم ، فهم عند ربهم سبحانه وتعالى . ﴿ يُرْزَقُونَ ﴾ أي يجري عليهم رزقهم فأبدانهم تتنعم برزق من الله تعالى , وإن كنا لا نراه بأعيننا إلا أننا نؤمن بذلك غاية الإيمان ، لأن الله – عز وجل – أخبرنا به. ﴿ فَرِحِينَ ﴾ أي قلوبهم فرحة , قلوبهم مستبشرة يُنعم الله – عز وجل – أبدانهم وينعم قلوبهم. ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أي يبشر بعضهم بعضا في عالم البرزخ بمن سيلحق بهم ممن يعمل مثل عملهم ، فيكرمهم الله – عز وجل – مثل إكرام مَن سبقهم ، فهم يستبشرون بتلك النعم ، وذلك الفضل الذي يجري عليهم إلى أن يبعث الله – عز وجل – مَن في القبور .
ومما أعد الله – عز وجل – للشهداء وأخبرنا به النبي – صلى الله عليه وسلم – ما جاء في حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : « رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدَي … فَأَدْخَلاَنِي دَارًا لَمْ أَرَ دَارًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا ، فَإِذَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، وَفِيهَا نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ، فَأَخْرَجَانِي مِنْهَا ، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ ، فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِي أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ مِنْهَا ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، فَقُلْتُ لَهُمَا : إِنَّكمَا قَدْ طَوَّفْتُمَانِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ . قَالاَ : نَعَمْ … وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي دَخَلْتَ أَوَّلاً فَدَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا الدَّارُ الأُخْرَى فَدَارُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ ، ثُمَّ قَالاَ لِي : ارْفَعْ رَأْسَكَ . فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا هِي كَهَيْئَةِ السَّحَابِ ، قَالاَ لِي : وَتِلْكَ دَارُكَ . فَقُلْتُ لَهُمَا : دَعَانِي أَدْخُلْ دَارِي . فَقَالاَ : إِنَّهُ قَدْ بَقِي لَكَ عَمَلٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَهُ دَخَلْتَ دَارَكَ » فانظر إلى هذه الدار التي أعدها الله للمجاهدين ، فهي دار ما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – أحسن ولا أفضل منها.       وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد ، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة » . أي ما من نفس تموت لها عند الله – عز وجل – خير فتتمنى أن تعود إلى الدنيا ، وذلك لما رأت من الكرامة عند الله ما لا يعدله شيء في هذه الحياة الدنيا ، إلا من مات شهيدا ، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا فيقتل عشر مرات من أجل أن تتضاعف له المثوبة ، ومن أجل أن يتضاعف له النعيم عند ربه سبحانه وتعالى , وهذا يدل على فضل الشهداء ، وعلو مكانتهم عند الله .            وإذا كان الذي يُقتل في سبيل الله له هذا الأجر العظيم ، فإن من المجاهدين من لا يُستشهد في المعركة ، ولكنه قد يجرح ويصاب ويألم ، فهؤلاء أيضا يبشرون بما وعدهم الله سبحانه وتعالى به على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – فقد ثبت عنه – صلوات الله وسلامه عليه – كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ – إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ »  .          قوله : في سبيل الله . المراد به الجهاد ، ويدخل فيه بالمعنى كل من جُرح في سبيل بِرٍّ ، أو وجه مما أباحه الله تعالى , كقتال أهل البغي والخوارج واللصوص ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، ألا ترى قوله – صلى الله عليه وسلم : « من قتل دون ماله فهو شهيد » . وقوله : والله أعلم بمن يكلم في سبيله , يدل على أنه ليس كل من جُرح في العدو تكون هذه حاله عند الله ، حتى تصح نيته ، ويعلم الله أنه لا يريد إلا وجهه الكريم ، ولم يخرج رياء ولا سمعة ، ولا ابتغاء دنيا يصيبها .                            ومن صور الجهاد في سبيل الله التي وعد الله – عز وجل – أصحابها بأعظم الأجر والثواب (الرباط) فالرباط :  وهو حماية ثغور المسلمين من الكفار ، ومن الملاحدة ، ومن المعتدين من البغاة الذين يسيئون الجوار ، وينتهكون الحرمات ، ويقتلون الأنفس ، ويسلبون الأموال ، وينتهكون الأعراض .
فحفظ ثغور المسلمين من الأعمال الصالحة ، وصاحبه على خير كبير ، إذا صلحت نيته ، وأخلص لله – عز وجل – في عمله ، ومما ورد في هذا الشأن قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه سلمان – رضي الله عنه – عن نبينا – صلوات الله وسلامه عليه – أنه قال : « رِباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجرِيَ عليه رزقه ، وأمن الفتَّان » .
وإن مات جرى عليه علمه الذي كان يعمله : نحن نعلم أن الميت إذا مات انقطع عمله ، كما في الصحيح : « إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاثةٍ : إلا من صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنْتَفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له » . فالأصل أن العبد إذا مات أغلق عليه باب العمل ، ولكن من فضل الله – عز وجل – ورحمته وكرمه أنه يفتح لبعض عباده أبوابا تستمر أجورهم من خلالها بعد موتهم ومفارقتهم هذه الدار , دار العمل ( الدنيا ) إلى دار المجازاة والمحاسبة ( الآخرة ) . ومن تلك الأعمال أن يموت المسلم مرابطا في سبيل الله ، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه كما جاء في قوله تعالى ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ فالله – عز وجل – يرزق الشهداء في سبيله ، يرزقهم من الجنة . وأمن الفتَّان : يعني يؤمنه الله – عز وجل – من فتنة القبر ، ويثبته ، ويسدده ، ويكون مصيره إلى الجنة آمنا مطمئنا .
إن المجاهدين والمرابطين على الثغور والجبهات لهم على المسلمين حق الدعاء لهم ، فإنهم يقومون بأعمال جسيمة ، فهم يعرضون أنفسهم للموت ، وللخطر من أجل أن يعيش إخوانهم في أمن ورخاء ، يُعرّضون أنفسهم للتعب والنصب من أجل أن يعيش إخوانهم في راحة وأمن وطمأنينة ورغد عيش ، يعرضون أنفسهم لكل انواع المصائب والأهوال ، يفارقون الزوجات والأولاد والأهل من أجل أن ينعم إخوانهم بعيش طيب فيعبدوا الله – سبحانه وتعالى – آمنين مطمأنين ، من أجل أن تبقى بلاد المسلمين عزيزة بتوحيد الله – عز وجل – وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – عزيزة بتحكيم شرع الله  تبارك وتعالى .
فهم يقومون بواجب عظيم ، فلهم علينا حق الدعاء لهم سرا وجهرا ، بأن يربط الله على قلوبهم ، وأن يثبت أقدامهم ، وأن يسدد رميهم ، وأن ينصرهم على عدوهم ، إنه قوي عزيز .
أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يحفظ على المسلمين أمنهم واستقرارهم واجتماع كلمتهم ، وأن يكفينا شر الأشرار ، وكيد الفجار ، إنه قوي عزيز .
ومن الواضح في كتاب الله تعالى أن الله فضل أهل الجهاد على غيرهم , فقال سبحانه : ﴿ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ﴾ ثمّ يوضّح هذه الدرجة بقوله تعالى: ﴿ وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

الإيمان بالقضاء والقدر ( قراءة جهادية )
المراد بالقضاء والقدر في الشرع : علم الله بالأشياء قبل كونها وكتابته لها في اللوح المحفوظ ، ومشيئته سبحانه لوقوعها ، وخلقه عزوجل لها على ماسبق به علمه ، وكتابته ومشيئته .وهذا الإيمان له مقتضيات وثمار تظهر آثارها على المسلم المجاهد المرابط  .
** ثمار الإيمان بالقضاء والقدر
للإيمان بالقضاء والقدر ثمار كثيرة منها ما يلي :
1/ الإخلاص : فالمجاهد الذي يؤمن بالقدر لا يعمل لأجل الناس ، لعلمه أنهم لن ينفعوه إلا بما كتبه الله له , ولا لمغنم ولا منصب لأنه شعاره (صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فعقده وعهده وجهاده مع الله .
2/ الشجاعة والإقدام : فالمجاهد الذي يؤمن بالقضاء والقدر يعلم أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله ، ولن يناله إلا ما كتب له ، فيقدم غير هيّاب ولامبال بما يناله من الأذى والمصائب في سبيل الله ، لأنه يستمد قوته من الله العلي القدير الذي يؤمن به ويتوكل عليه ، ويعتقد أنه معه حيثما كان ، والتوكل على الله شحنة نفسية موجهه تغمر المؤمن بقوة المقاومة وتملؤه بروح الإصرار والتحدي وتقوي من عزيمته , وتربط على قلبه , قال تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } التغابن : 11 .
3/ قوة الإيمان والتوكل : فالمجاهد الذي يؤمن بالقضاء والقدر يقوى إيمانه ، فلا يتخلى عن دينه ولا يتزعزع مهما ناله في سبيل الله , ويعتمد على الله غير متردد , قال سبحانه وتعالى : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } التوبة 51.
4/ الكرم والبذل والإنفاق في سبيل الله : المجاهد الذي يؤمن بالقدر وأن الفقر والغنى بيد الله وأنه لايفتقر إلا إذا قدر الله له ذلك ، فإنه ينفق في سبيل الله ولا يبالي .
5/ إحسان الظن بالله وقوة الرجاء : فالمجاهد المؤمن بالقدر حسنُ الظن بالله ، قوي الرجاء به في كل أحواله .
6/ الخوف من الله والحذر من سوء الخاتمة : فالمجاهد المؤمن بالقدر دائماً على خوف من الله ، وحذر من سوء الخاتمة ، إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، فلا يغتر بعمله وجهاده وبلائه مهما كثر ، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، والخواتيم علمها عند الله .
7/ تحرير العقل من الخرافات والأباطيل : فمن بديهيات الإيمان بالقدر ، الإيمان بأن ماجرى ومايجري  في هذا الكون إنما هو بقدر الله ، وأن قدر الله سر مكتوم ، لا يعلمه إلا هو ، ولا يطلع عليه أحد إلا من ارتضى من رسول .
ومن هذا المنطلق تجد أن المؤمن بالقدر حقيقةً لا يعتمد على الدجالين والمشعوذين والحروز التي يستخدمها البغاة من الحوثيين المجرمين ويظنون أنها تحميهم من أقدار الله , والمؤمن بالقدر لايذهب إلى الكهان والمنجمين والعرافين ، فلا يصدق أقوالهم ، ويعيش سالما من زيف هذه الأقاويل ، متحرراً من جميع تلك الخرافات والأباطيل .
8/ الرضـا : فالمجاهد يرضى بالله ربا مدبرا مشرعا ، فتمتلئ نفسه بالرضا عن ربه ، فإذا رضي بالله أرضاه الله , ولأنه على يقين بأن الله سوف يختار له ماهو في صالحه ، حتى وإن كان يبدو على النقيض تماما مما كان يأمله ويرجوه ، واضعا نصب عينيه قوله سبحانه وتعالى : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.
قال ابن القيم ( رحمه الله ) في تفسير هذه الآية : "في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد ، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه ، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة ، لعدم علمه بالعواقب ، فإن الله يعلم منها مالا يعلمه العبد ، وأن الأنفع للعبد أن يمتثل لأوامر الله ، وإن شق عليه ذلك ، لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ، وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هوته نفسه ومالت إليه ، لأن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب , ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور ، والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة ، إنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ، ولا يسأله ما ليس له به علم ، فلعل مضرته وهلاكه فيه ، وهو لا يعلم فلا يختار على ربه شيء بل و يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا شيء أنفع له من ذلك .
9/عدم اليأس من انتصار الحق على الباطل : فالمؤمن بالقدر يعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين المدافعين عن الدين والعرض والوطن ، وأن البغاة المعتدين من الحوثيين وأعوانهم مخذولين ومهزومين مهما أظهروا غير ذلك , وأن قدر الله في ذلك نافذ لا محالة ، فلا يدب اليأس إلى روعه ، ولا يعرف إليه طريقا مهما احلولكت ظلمة الباطل وكثر البلاء على أهل الحق .
10/ علو الهمة وكبر النفس : فالمجاهد المؤمن بالقدر عالي الهمة كبير النفس لا يرضى بالدون ، ولا بالواقع المر الأليم ، ولا يستسلم له محتجاً بالقدر ، إذ أن هذا ليس مجال الاحتجاج بالقدر، لأنه من المعائب ، والاحتجاج بالقدر إنما يسوغ عند المصائب دون المعائب ، بل إن إيمانه بالقدر يحتم عليه أن يسعى سعياً حثيثاً لتغيير هذا الواقع حسب قدرته واستطاعته وردع المعتدي والباغي .
11/ عزة النفس والقناعة والتحرر من رق المخلوقين : فالمجاهد المؤمن بالقدر يعلم أن رزقه مكتوب ، وأنه لن يموت حتى يستوفي رزقه ، ويدرك أن الله حسبه وكافيه ورازقه ، وأن العباد مهما حاولوا إيصال الرزق له ، أو منعه عنه فلن يستطيعوا إلا بشيء قد كتبه الله ، فينبعث بذلك إلى القناعة وعزة النفس ، والإجمال في الطلب ، وترك التكالب على الدنيا ، والتحرر من رق المخلوقين ،وقطع الطمع مما في أيديهم ، والتوجه بالقلب إلى رب العالمين ، وهذا أساس فلاحه ورأس نجاحه .
12/ سكون القلب وطمأنينة النفس وراحة البال :  فلا يدرك هذه الأمور ، ولا يجد حلاوتها ولا يعلم ثمراتها إلا من آمن بالله وقضائه وقدره ، كما أنه وسيلة لمواجهة القلق النفسي فالمؤمن الحق إذا أصابته مصيبة مقدرة فعليه ألا يتحسر ، بل عليه أن يقول : قدر الله وما شاء فعل ، ولا عليه أن يتمنى حدوث عكس ما وقع ، لأن ذلك يورث حسرة وحزنا لا يفيد ، والتسليم للقدر هو الذي يشيع الأمن والاطمئنان ويقضي على مشاعر القلق والتوتر ، وأن كل ما يعترض المؤمن من مشاق لا يقابلها بغير الرضا والتسليم ، وذلك من منطلق قوله عليه الصلاة والسلام : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، أحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان" .
والمؤمن المجاهد يعلم إن ابتلاء الله له إنما هو دليل على حبه له ، وامتحانه لإيمانه وصبره ، فمن رضي بهذا الامتحان وصبر فله الرضا من الله ، ومن سخط من هذا الابتلاء وجزع واستسلم للقلق واليأس فله السخط من الله ، ومصداق ذلك من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن عظم الجزاء من عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم , فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ".
13/ تحويل المحن إلى منح ، والمصائب إلى أجر : كما قال تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } التغابن 11.
ومعنى الآية الكريمة : أن من أصابته مصيبة ، فعلم أنها من قدر الله ، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله , هدى الله قلبه ، وعوضه عما فاته من الدنيا هدًى في قلبه ويقينا صادقا ، وقد يخلف الله عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه ، وهذا في نزول المصائب التي هي من قضاء الله وقدره ، لا دخل للعبد في إيجادها إلا من ناحية أنه تسبب في نزولها به ، حيث قصر في حق الله عليه بفعل أمره وترك نهيه , فعليه أن يؤمن بقضاء الله وقدره ، ويصحح خطأه الذي أصيب بسببه .
وبعض الناس يخطئون خطأ فاحشا عندما يحتجون بالقضاء والقدر على فعلهم للمعاصي وتركهم للواجبات ، ويقولون : هذا مقدر علينا ! ولا يتوبون من ذنوبهم ,  كما قال المشركون : { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ }. وهذا فهم سيئ للقضاء والقدر , لأنه لا يحتج بهما على فعل المعاصي والمصائب ، وإنما يحتج بهما على نزول المصائب , فالاحتجاج بهما على فعل المعاصي قبيح , لأنه ترك للتوبة وترك للعمل الصالح المأمور بهما ، والاحتجاج بهما على المصائب حسن , لأنه يحمل على الصبر والاحتساب.
ونحن نعلم علم يقين أن الحوثيين الضالين لا يؤمنون بالقدر وإن عقيدتهم عقيدة المعتزلة  وأنهم يعتقدون أن العبد يستقل بفعله وليس لله فيه قضاء ولا قدر ، وإنما العبد هو الذي يستقل بفعله ، والأمر أنف -  يعني مستأنف –  لم يقدر ولم يكتب في اللوح المحفوظ ، وغلاتهم يقولون : ولم يعلمه الله قبل وقوعه  فينفون العلم ، وهؤلاء كفار بلا شك , لأنهم إذا نفوا العلم فهم كفار .
أما جمهورهم فيقولون : الله يعلمه ولكنه لم يقدره ، وإنما علم أن هذا سيقع لكنه بدون تقدير منه سبحانه وتعالى , وكل ذلك منافي لعقيدة أهل السنة والجماعة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الصنف الأول وهم الذين ينفون العلم انقرضوا , أو القائل به منهم قليل في وقت الشيخ ، أما الآخرون فلا يزالون إلى الآن باقون يقولون : إن الله يعلمه لكن لم يقدره ، وإنما العبد هو الذي أحدثه بدون أن يقدره الله عليه .
هؤلاء هم القدرية ، سموا بالقدرية لأنهم ينفون القدر فيغالون في إثبات أفعال العباد ويقولون هم الذين يوجدونها بدون أن يقدرها الله عليهم فهم أهل انحراف وبدع قاتلهم الله أنى يؤفكون.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق